التعريف بغزوة بني قينقاع
وقعت غزوة بني قينقاع في السنة الثانية للهجرة في شهر شوال، وقال ابن سعد: إنها وقعت تحديداً يوم السبت في منتصف شوال بعد غزوة بدر، وبنو قينقاع هم يهود جاؤوا إلى المدينة، وعاهدوا النبي -صلى الله عليه وسلم- على بنود معيّنة، والتزم المسلمون بكلّ ما جاء في المعاهدة، إلا أنّ يهود بني قينقاع نقضوا العهد، فحاصرهم النبيّ الكريم حتى شفع لهم ابن أبيّ،[١] وسيتمّ ذكر أسباب هذه الغزوة ونتائجها بشيءٍ من التفصيل فيما يأتي.
أسباب غزوة بني قينقاع
أسلفنا سابقاً أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عقد مع اليهود معاهدة، وجعل فيها عدّة بنود تُراعي مصلحة جميع الأطراف، ولم يخالف المسلمون أيّ بندٍ منها، بل حرصوا على تطبيق كلّ ما فيها، ولكنّ اليهود الذين امتلأ تاريخم بالغدر وعدم الوفاء بالعهود بدأوا يُثيرون القلق والفتن بين صفوف المسلمين بالخفاء.[٢]
ثمّ لمّا أذن الله -تعالى- للمسلمين بالقتال في غزوة بدر وانتصروا فيها انتصاراً عظيماً غاظ ذلك الأمر اليهود كثيراً، إذ أصبح للمسلمين هيبةً في نفوس النّاس، وقويت شوكتهم، فبدأ اليهود يُجاهرون بالعداوة لهم وبالإيذاء، وكان كعب بن الأشرف من أكثر الشخصيات الحاقدة على الإسلام والمسلمين.[٢]
وكان لبني قينقاع عُدَّةٌ جاهزةٌ من الآلات والأسلحة، وكان عدد المقاتلين فيهم 700 مقاتل، فنكثوا عهدهم مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، واشتدّ تكبّرهم وطغيانهم مع انتصار المسلمين في غزوة بدر، وصاروا يُثيرون الفتن والضوضاء بين المسلمين، بل ويؤذون كلّ مَن يأتي إلى سوقهم منهم.[٢]
ثمّ أنزل الله -تعالى- فيهم آيات تبيّن شكل العلاقة القادمة بينهم وبين المسلمين، فقال -تعالى-: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ المِهَادُ)،[٣] ثمّ أنزل: (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ)،[٤] ولكنّ اليهود لم يهتمّوا ويأبهوا بذلك.[٥]
ولمّا اشتدّ طغيانهم جمعهم النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-، ونصحهم ووعظهم بتجنّب العدوان والبغي، ودعاهم إلى سبيل الرشاد والهدى، ولكنهم لم يستجيبوا، بل ازداد شرّهم عن سابقه، وتجرّؤوا في أفعالهم، وما زالوا ينشرون الشغب والقلق في المدينة حتّى سعوا إلى حتفهم بأيديهم، فكان الأمر بمحاصرتهم.[٢]
حصار النبي ليهود بني قينقاع
أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بمحاصرة يهود بني قينقاع، فحاصرهم خمس عشرة ليلة حتى استسلموا ونزلوا على حكمه، فكُتِّفوا وحكم عليهم بالقتل، إلا أنّ عبد الله بن أُبَيّ بن سلول -رأس المنافقين- جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- يستشفع لهم؛ لأنّه كانوا حلفاء له، فأعرض النبي الكريم عنه.[٦]
ثمّ رجع إلى النبي الكريم وأمسك به متوسِّلاً إليه أن يتركهم ولا يقتلهم، وظلّ يستعطفه عليهم حتى أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بتركهم وإخراجهم من المدينة، واستغرق خروج بني قينقاع من المدينة ثلاثة أيام، وخرجوا منها وذهبوا إلى أذرعات.[٦]
المراجع
- ↑ أبو مدين الفاسى، مستعذب الإخبار بأطيب الأخبار، صفحة 244-245. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم، صفحة 214-216. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية:12
- ↑ سورة آل عمران، آية:13
- ↑ "غزوة بني قينقاع"، قصة الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 1/8/2023. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد رضا، محمد صلى الله عليه وسلم، صفحة 264، جزء 1. بتصرّف.