عمل الرسول قبل البعثة

عمل النبي -صلى الله عليه وسلم- في صباه وشبابه بمهنتين شريفتين؛ كان ينال منهما قوت يومه، ويكفّ الحاجة عن نفسه، ويخالط المجتمع من حوله؛ ونبيّن هاتين المهنتين على نحوٍ من التفصيل بما يأتي:


رعي الماشية

رعى النبي -صلى الله عليه وسلم- الغنم في حياته قبل البعثة؛ وذلك في مكة المكرمة لبعض أهلها، حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: (ما بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إلَّا رَعَى الغَنَمَ، فقالَ أصْحابُهُ: وأَنْتَ؟ فقالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أرْعاها علَى قَرارِيطَ لأهْلِ مَكَّةَ).[١][٢]


كما رعى النبي -صلى الله عليه وسلم- الإبل؛ ليجمع الله -تعالى- له السكينة التي في رعي الغنم، مع العزة والسيادة التي تكون في الإبل؛ ودليل ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: (الفَخْرُ، والخُيَلَاءُ في الفَدَّادِينَ أهْلِ الوَبَرِ، والسَّكِينَةُ في أهْلِ الغَنَمِ...).[٣][٤]


ولعلّ الحكمة من اشتغال النبي -صلى الله عليه وسلم- وإخوانه من الأنبياء -صلوات الله عليهم- في رعي الأغنام؛ لما يكون في هذه المهنة من التمرن والتعوّد على الرعاية، مما يمهدهم لرعاية أممهم والقيام بشؤونهم، كما أنّ في رعيها يكون الرحمة والإشفاق، والتحلي بالصبر والأناة والتريّث، وحسن التعاهد والرفق؛ وكل ذلك ينعكس على تعاملهم مع الناس بمختلف نفوسهم وحالاتهم.[٥]


التجارة

انتقل النبي -صلى الله عليه وسلم- من مهنة الرعي إلى التجارة؛ فكان يذهب بالأموال والمتاع للتجارة بها في بلاد الشام؛ ويدل على ذلك قول جابر بن سمرة -رضي الله عنه-: (كان النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يرعى غَنَمًا فاسْتَعلى الغنمُ، فكان في الإبلِ هو وشَريكٌ له، فأكْرَيا أختَ خديجةَ، فلمَّا قضَوُا السَّفرُ بقِيَ لهم عليها شيءٌ فجعَل شَريكُهم يأتيها فيتقاضاهم...)؛[٦] فكان أول عمله بالتجارة ما كان من تجارته بأموال خديجة -رضي الله عنها-.[٧]


عمل الرسول بعد البعثة

لمّا بعث الله -سبحانه- نبيّه محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ اشتغل النبيّ الكريم بالرسالة والدعوة التبليغ، وقد أغناه الله -تعالى- ليتفرغ لما اختاره له؛ يقول -سبحانه- مخاطباً النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى)؛[٨] أيّ أغناك الله -سبحانه وتعالى- بمال خديجة -رضي الله عنها-، وبما أفاء عليك من غنائم الحروب وفيئها، وبهذا قال المفسرون.[٩]


أمّا عن إغناء الله -تعالى- للنبي -صلى الله عليه وسلم- بمال خديجة -رضي الله عنها-؛ فيُدعمّه قوله -صلى الله عليه وسلم- عن خديجة: (... وواسَتْني بمالِها إذ حرَمَني النَّاسُ...)،[١٠] كما يدلّ على إغنائه -سبحانه- للنبي -صلى الله عليه وسلم- بمال الغنائم والفيء؛ قوله -تعالى-: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ...).[١١][١٢]


وقوله -تعالى-: (مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ...)؛[١٣][١٢] وقد عقّب عمر بن عبد العزيز على ما كان رزقاً للنبي -صلى الله عليه وسلم- من الفيء والغنائم؛ أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يُبعث جابياً، إنّما بُعث نبياً ورسولاً يدعو إلى الله -تعالى-، وما كان له من رزق الحروب والقتال لم يكن مقصوداً لذاته؛ إنّما كان تبعاً لهذه الدعوة وهذه النبوة.[١٤]

المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2262، صحيح.
  2. صالح بن طه عبد الواحد، سبل السلام من صحيح سيرة خير الأنام عليه الصلاة والسلام، صفحة 44، جزء 1. بتصرّف.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:3499، صحيح.
  4. عبد الرحيم الطحان، خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان، صفحة 28، جزء 145. بتصرّف.
  5. محمد أبو شهبة، السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، صفحة 209، جزء 1. بتصرّف.
  6. رواه الطبراني، في المعجم الكبير، عن جابر بن سمرة، الصفحة أو الرقم:209، قال الهيثمي رجال الطبراني رجال الصحيح غير أبي خالد الوالبي وهو ثقة.
  7. منير الغضبان، فقه السيرة النبوية، صفحة 89-90. بتصرّف.
  8. سورة الضحى، آية:8
  9. أبو البركات النسفي، تفسير النسفي مدارك التنزيل وحقائق التأويل، صفحة 655، جزء 3. بتصرّف.
  10. رواه االإمام أحمد، في المسند، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:24864، قال الهيثمي إسناده حسن.
  11. سورة الأنفال، آية:41
  12. ^ أ ب "مهنة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الوحي"، إسلام ويب، 8/12/2014، اطّلع عليه بتاريخ 19/4/2023. بتصرّف.
  13. سورة الحشر، آية:7
  14. ابن رجب الحنبلي، الحكم الجديرة بالإذاعة، صفحة 26. بتصرّف.