قصة الراهب بحيرا مع النبي

جاء في هذه القصّة أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة خرج مع عمّه أبو طالب في تجارة إلى الشام، وذلك عندما كان صبياً صغيراً؛ فنزلوا في مكان لشيوخ قريش، وكان في هذا المكان راهب من أحبار اليهود -من تيماء- يُدعى بحيرا، ولم يكن يلتفت إليهم أو يخرج ويحدّثهم؛ لكنّه في هذه المرة خرج إليهم وأخذ بيد النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول للقوم: "هَذَا سَيِّدُ العَالَمِينَ، هَذَا رَسُولُ رَبِّ العَالَمِينَ، يَبْعَثُهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ"، ولمّا سأله شيوخ قريش عن سبب ذلك قال لهم بأنّ في النبي -صلى الله عليه وسلم- عدّة علامات تنبأ بذلك، ومن هذه العلامات التي رآها بحيرا:[١]

  • سجود الشجر والحجر للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا لا يكون إلا للأنبياء.
  • ختم النبوة التي كان في الكتف الأيسر للنبي -صلى الله عليه وسلم-، يشبه التفاحة على حد تعبير هذا الراهب، وأنّ هذا الختم موجود في كتبهم السابقة.
  • الغمامة التي كانت تُظلّ النبي -صلى الله عليه وسلم- من حرارة الشمس والصحراء.


وبعد ذلك جلس النبي -صلى الله عليه وسلم- مع القوم -وهذا الراهب بينهم- يتناولون طعامهم؛ فناشدهم بالله أن لا يُظهروا على أمره أحداً من الروم فيقتلوه، ثم أوصى به خيراً، وتكمل الروايات فتقول إنّ عدداً من الروم كانوا يبحثون عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ويطلبون أوصافاً محددة فيه، لكنّ الراهب بحيرا جادلهم وأقنعهم فبايعوه، ومكثوا عنده.[١]


مدى صحة هذه القصة

ضعّف بعض أهل العلم المتأخرين هذه القصة وحكموا عليها بالضعف، ولكنّ عدداً منهم ذهبوا إلى تصحيحها -سواء من المتقدمين أو المتأخرين-؛ فقد أخرجها الترمذي في سننه، والحاكم في مستدركه، وابن عساكر في تاريخ دمشق وأبي نعيم في دلائل النبوة، كلّهم بسند مرسل لكنّه صحيح، ومن بين رجال هذا السند من هو ثقة خرّج له البخاري ومسلم، بالإضافة إلى تصحيح عدد من المحدثين لهذه القصة؛ كالحافظ ابن حجر، والسيوطي، والحاكم والترمذي، ومن وافقهم، وبناءً عليه حكم بعض المتأخرين على هذه القصة بالصحة.[٢]


فوائد من قصة بحيرا الراهب

يظهر من القصة السابقة عدد من الفوائد الجمّة التي يمكن تلخيصها على النحو الآتي:[٣]

  • أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- جاء ذكره في الكتب الإلهية المتقدمة، وأنّه رسول رب العالمين؛ إذ إنّ الراهب بحيرا عرفه بسيماه وبأوصافه، وتنبأ به نبياً لهذه الأمة.
  • بطلان الادعاءات التي تقول بأنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- تلقّى القرآن الكريم من بحيرا الراهب؛ وذلك لما يأتي:
  • تعدد آراء العلماء في صحة هذه القصّة -كما أشرنا سابقاً-.
  • أنّ المدة التي التقى فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- بحيرا الراهب لم تكن كافيةً -ولا بحال من الأحوال- لنقل وتلقّي قرآن كامل.
  • أنّ القرآن الكريم وثقّ العديد من الأحداث التي وقعت في زمان النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فلا يُعقل أنّ بحيرا الراهب كان يعلمها من قبل عدد من السنوات، وتنبأ بها، وضمنها في القرآن الكريم -تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً-؛ مثل أحداث الغزوات، وبعض قصص الصحابة -رضوان الله عليهم-؛ التي نزلت فيها الأحكام للتوضيح.

المراجع

  1. ^ أ ب موسى بن راشد العازمي، اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون، صفحة 108-110، جزء 1. بتصرّف.
  2. ناصر الدين الألباني، موسوعة الألباني في العقيدة، صفحة 244-245، جزء 8. بتصرّف.
  3. محمد صالح المنجد، دروس للشيخ محمد المنجد، صفحة 16-17، جزء 273. بتصرّف.