غزوة ذي قرد

تعتبر هذه الغزوة من أكبر الغزوات التي خرجت تأديباً لأعراب نجد، وقد اختلف في وقت الغزوة على قولين، فقيل بأنَّها قد وقعت بعد الحديبية وقبل غزوة خيبر بثلاثة أيام وهذا هو القول الراجح والذي ذكره البخاري وابن حجر العسقلاني، أما القول الثاني وهو الأضعف بأنَّها وقعت قبل الحديبية وليس بعدها،[١] فبعد مضي أيام على عودة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- من غزوة بني لحيان،[٢] دخل رجل يلقّب بالأحمق المطاع واسمه هو عيينة بن حصن الفزاري إلى حدود المدينة في خيل من غطفان، وأغار على إبلٍ لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كانت ترعى في منطقة تسمى بالغابة، فقاموا بقتل ابن لأبي ذر الغفاري، وأسروا زوجته، وكان لعبد الرحمن بن عوف غلام موجود فرأى ما حصل، فأسرع إلى المدينة ليخبر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بذلك، وكان الوقت قبل أذان الفجر، فصادف الصحابي سلمة بن الأكوع وأخبره بما حصل.[٣]


بماذا تسمى غزوة ذي قرد؟

سميت بذي قَرد نسبة إلى ماء ذي قَرد، ويقع هذا الماء في ناحية بريد من المدينة بعد غطفان،[٤] وكان قد نزل عنده النبي ـصلّى الله عليه وسلّم-، وهو نفس المكان الذي كانت ترعى فيه الإبل الخاصّة بالنبي ـصلّى الله عليه وسلّم- وأغار المشركون فيه عليها وهي ترعى،[٢] وللغزوة أسماء أخرى منها:


غزوة الغابة

سميت بغزوة الغابة لأنَّها وقعت في موضع فيه شجر كثير بالقرب من المدينة من الجهة المؤدية إلى الشام.[٢]


أسد الغابة

سميت بأسد الغابة إشارةً إلى الصحابي سلمة بن الأكوع الذي كان له دور كبير في هذه الغزوة فكان كالسبع الضاري يرميهم بالسهام والحجارة حتى خافوا منه خوفاً شديداً،[٣] كما كان أسرع من انطلق إليهم بمجرّد أن سمع الخبر واستصرخ أهل المدينة ليخرجوا، ولحقهم يعدوا على رجليه،[٥] ولم ينتظر أحداً فخرج يطاردهم، وقد عُرف بأنَّه ـرضي الله عنه- أسرع الناس عدواً، فأدركهم، وكان رامياً فأخذ يرميهم بالنبال ويقول: "خذها وأنا ابن الأكوع ..واليوم يوم الرضع" أي اليوم يوم هلاك اللئام،[٢]فتعتبرهذه الغزوة كلها للصّحابي سلمة بن الأكوع، فقد كان في الغزوة أسداً من الأسود.[٦] 


أحداث الغزوة

ظلّ سلمة بن الأكوع يرميهم بالسهام ويرجعون إليه فيفرّ مسرعاً دون أن يدركه أحد منهم، فإذا رآهم عادوا يعود من ورائهم بسرعة ويرميهم مرة أخرى، ثم توقفوا يستريحون ويسقون إبلهم، فصعد على الجبل وأخذ يرميهم بالحجارة، فدخلهم الخوف منه وبدؤوا يتحففون من الغنائم التي أخذوها، وألقوا ثلاثين بردة وثلاثين رمحًا، وعندما رأى ذلك عيينة بن حصن قال لهم: "لولا أنَّ هذا الرجل وراءه طلبًا ما ترككم، ليقم إليه نفر منكم"، فقام أربعة من رجالهم ليقاتلوه، فقال لهم سلمة: "أتعرفونني أنا ابن الأكوع والذي كرم وجه محمد لا يطلبني رجل منكم فيدركني ولا أطلبه فيفوتني"، فخافوا منه وتركوه،[٣] ثمَّ لحق به النبي -صلّى الله عليه وسلّم- مع أصحابه بعد أن وجدوا علامات كان يضعها سلمة على الغنائم ليدلّهم على الطريق.[٢]


نتائج الغزوة

استعاد المسلمون كلّ الإبل بعدما قتلوا عددا كثيراً من المشركين، وعادوا إلى المدينة وكان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في طريق عودته يجلس خلفه سلمة ـرضي الله عنه- على ناقته، وكان قد أعطاه سهمين، سهم الراجل وسهم الفارس، وأخذ يثني عليه وعلى قتادة قائلا: (خيرُ فُرسانِنا اليومَ أبو قَتادةَ وخيرُ رجَّالتِنا اليومَ سلَمةُ بنُ الأكوعِ)،[٧] كما عادت زوجة الغفاري إلى المدينة سالمةً، وكانت قد تمكنت من الهرب على ناقة من إبل النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، وفيما يرويه أحمد أنَّها كانت قد نذرت إن نجت فستنحرالناقة، وعندما أخبرت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بذلك تبسّم وأخبرها قائلًا: (بئسَما جَزَيتِيها، قال: ثُمَّ قال: لا نَذْرَ لابنِ آدَمَ فيما لا يَملِكُ، ولا في مَعصيةِ اللهِ)،[٨] فرجعت إلى أهلها.[٢]


المراجع

  1. إبراهيم العلي، كتاب صحيح السيرة النبوية للعلي، صفحة 330. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث ج ح فريق موقع اسلام ويب (29/4/2012)، "غزوة ذي قَرَد ( الغابة )"، اسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 23/5/2021. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت د. راغب السرجاني (9/1/2011)، "غزوة ذي قرد.. أسد الغابة"، قصة الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 24/5/2021. بتصرّف.
  4. الزرقاني، محمد بن عبد الباقي، شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية، صفحة 109. بتصرّف.
  5. فريق موقع اسلام ويب (24/1/2006)، "غزوة الغابة"، اسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 28/5/2021. بتصرّف.
  6. د. راغب السرجاني (9/1/2011)، "غزوة ذي قرد.. أسد الغابة"، قصة الاسلام ، اطّلع عليه بتاريخ 28/5/2021. بتصرّف.
  7. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن سلمة بن الأكوع، الصفحة أو الرقم:7175، حديث أخرجه ابن حبان في صحيحه.
  8. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن عمران بن الحصين، الصفحة أو الرقم:19856، حديث صحيح.