غزوة بدر الكبرى

حدثت في السنة الثانية للهجرة في يوم الجمعة في السابع عشر من شهر رمضان المبارك، وكانت أول معركة فاصلة بين المسلمين والمشركين، وأول نصر حاسم للمسلمين، على الرغم من قلة عددهم، فقد كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً فقط، وسميت بالكبرى لأن راية الإسلام ارتفعت بسببها، وأعز الله المؤمنين بها، وأخزى المشركين وأذلَّهم ذلاً كبيراً، قال -تعالى-: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}،[١] وقد سماها الله -تعالى- أيضاً بيوم الفرقان، لأنَّها فرقت بين الحق والباطل، قال -تعالى-: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ۗ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}،[٢] وقد سُميت بغزوة بدر نسبة إلى المكان الذي حدثت فيه، وبدرُ بئرُ ماءٍ بين مكة والمدينة، وقد استشهد في هذه الغزوة أربعة عشر شهيداً من الصحابة -رضي الله عنهم- وقُتل فيها سبعون رجلاً من المشركين، وأُسر سبعون أيضاً، وكان كثيرٌ منهم من سادة قريش وأشرافها.[٣][٤]


سبب الغزوة

كان سبب الغزوة الرئيسي هو إرادة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه استرداد أموال وحقوق المسلمين التي تركوها في مكة بعد هجرتهم، والتي مَنَعَتْهُم قريش من الوصول إليها، وقامت بنهبها والاستيلاء عليها نكايةً بهم، فأراد المسلون توجيه ضربةٍ اقتصاديةٍ لقريش، وإيصال رسالةٍ سياسيةٍ لهم، بأنَّ المسلمين قد أصبحوا قادرين على حماية أنفسهم والدفاع عن دينهم واسترداد حقوقهم، وقد تهيأت الفرصة المناسبة لهذه الضربة، عندما وصل الخبر للمسلمين بأنَّ هناك قافلةً عظيمةً للمشركين قادمة من الشام، بقيادة أبي سفيان، فقرروا اعتراض طريقها والاستيلاء عليها، جاء في الحديث: (خَرَجَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ، حتَّى جَمع اللَّهُ بيْنَهُمْ وبيْنَ عَدُوِّهِمْ علَى غيرِ مِيعَادٍ).[٥][٦][٧]


موقف قريش

عندما سمع أبو سفيان بخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، أرسل رسالة إلى مكة، يخوفهم فيها من ضياع أموالهم، ويطلب فيها منهم الغوث والمدد، فبدأ المشركون في مكة بتجهيز أنفسهم من أجل الخروج لحماية أموالهم ومنع المسلمين من الاستيلاء عليها، وأعدوا عدتهم للحرب، وقد استطاع أبو سفيان النجاة بالقافلة، حيث غيّر طريقها نحو الساحل، ومع ذلك فقد خرجت قريش في جيشها استجابةً لدعاة الحرب، الذين كانوا يحرضون على القتال، وكان على رأسهم أبو جهل، وقد بلغ عدد جيش المشركين قرابة ألف مقاتل.[٨]


المشاورة النبوية

عندما وصل خبر قريش إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قام بمشاورة أصحابة في أمر القتال، ليختبر إيمانهم، وقوة عقيدتهم، ومدى استعدادهم للتضحية والفداء، فضربوا أروع الأمثلة في الإيمان الراسخ والعقيدة الصلبة، والتفاني في الإخلاص والفداء، وقالوا له امضِ ونحن معك، ففرح النبي -صلى الله عليه وسلم- بكلامهم، وأخذ يبشرهم بالنصر، وسار النبي -صلى الله عليه وسلم- بأصحابه إلى بدر، فلما وصلوا جعلوا البئر خلفهم حتى لا يستولي عليه المشركون، وقد أنزل الله عليهم السكينة والطمأنينة في تلك الليلة، قال -تعالى-: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ}.[٩][١٠]


تضرع رسول الله

ولما التقى الجيشان ونظر النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى جيش المشركين أخذ بالتضرع والدعاء، ورفع يديه إلى السماء داعياً يقول: (اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لي ما وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ ما وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إنْ تُهْلِكْ هذِه العِصَابَةَ مِن أَهْلِ الإسْلَامِ لا تُعْبَدْ في الأرْضِ)،[١١] وظل يدعو ويتضرع ويرفع يديه إلى السماء حتى سقط رداؤه عن كتفيه، فنزل قوله -تعالى-: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ}،[١٢] فاستبشرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وأشرقَ وجههُ، وقال: (كأنما أنظرُ مصارعَ القومِ العشيَّةَ).[١٣][١٤]


من أحداث المعركة

المبارزة

وقد حصلت مبارزة بين المشركين والمسلمين قبل التحام الجيشين، فخرج من المشركين ثلاثة رجال، هم: عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة، وخرج إليهم ثلاثة رجال من الأنصار، فلم يقبلوا مبارزتهم، وطلبوا مبارزة رجالٍ من قريش من أقربائهم، فخرج إليهم حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، وعبيدة بن الحارث، فما لبث عليٌ أن قَتَل الوليد، وقتلَ حمزةُ شيبة، أما عبيدة فنال ضربةً من عتبة أضعفته، حتى ساعده علي وحمزة فقُتِل عتبة.[١٥]


بدء القتال

التحم الجيشان بعد المبارزة التي أغاظت المشركين، وبدأت المعركة بسرعة وحمي وطيسها بعد تحريض النبي -صلى الله عليه وسلم- للمؤمنين على القتال، وأنزل الله -تعالى- ملائكته تقاتل مع المسلمين، وبدأ المشركون يتساقطون واحداً تلو الآخر، وقد أنزل الله -تعالى- في ذلك قوله: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}،[١٦] فما لبث المسلمون أن انتصروا وهُزم المشركون وتحقق الوعد الإلهي، وقد شارك النبي -صلى الله عليه وسلم- بنفسه في القتال وأبلى بلاءً حسناً، وقد أنزل الله -تعالى- في ذلك قوله: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ۚ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.[١٧][١٤]


المراجع

  1. سورة آل عمران، آية:123
  2. سورة الأنفال، آية:41
  3. موسى العازمي، اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون، صفحة 329. بتصرّف.
  4. إسلام ويب (10/9/2018)، "آثار غزوة بدر"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 23/5/2021. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن كعب بن مالك، الصفحة أو الرقم:3951 ، حديث صحيح.
  6. أحمد غلوش، السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني، صفحة 253. بتصرّف.
  7. المباركفوري، الرحيق المختوم، صفحة 184.
  8. أحمد غلوش، السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني، صفحة 265.
  9. سورة الأنفال، آية:11
  10. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عباس وعمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:1763، حديث صحيح.
  11. سورة آل عمران، آية:9
  12. رواه السفاريني الحنبلي، في شرح ثلاثيات المسند، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:287، حديث إسناده حسن.
  13. ^ أ ب محمد أبو شهبة، السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، صفحة 140. بتصرّف.
  14. ابراهيم العلي، صحيح السيرة النبوية، صفحة 174. بتصرّف.
  15. سورة الأنفال، آية:12
  16. سورة الأنفال، آية:17