تميّزت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- بمكانتها العلمية بين الصحابة والصحابيات -رضي الله عنهم- جميعاً، فصغر سنّها عند زواجها بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وذكائها وفطانتها، وسرعة حفظها وكثرة سؤالها، كان لكل ذلك الأثر البالغ في تمكنها من تحصيل العلم الكثير ونشره؛ فقد أخذت العلم مباشرة عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وروت عنه علماً غزيراً، فكانت من أعلم الصحابة في أمور الدين؛ في الفقه، والفرائض، والفتوى، والحديث، والأدب، واللغة، وغيره من العلوم، وقد أخذ عنها وتلقّى العلم منها الكثير من الصحابة والتابعين، حتى كان كبار وفقهاء الصحابة يرجعون إليها في المسائل والقضايا التي تشكل عليهم ولا يعرفون أجوبتها، وكان من أبرز ما تميزت به من العلوم علم الحديث، حيث بلغت مكانة مرموقة في الحديث، فكانت من أحفظ الصحابة للحديث، حيث حفظت وروت الكثير من الأحاديث، وآتياً بيان عدد مروياتها، وأبرز ما تميزت به.


عدد روايات عائشة عن الرسول صلى الله عليه وسلم

تعد عائشة -رضي الله عنها- من كبار حفاظ السنة والمكثرين في رواية الحديث من الصحابة، حيث بلغت الأحاديث التي روتها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألفين ومئتين وعشر روايات، وبلغ مجموع رواياتها في الصحيحين مائتين وستٍ وثمانين حديثاً، ففي صحيح البخاري مائتين وثمانية وعشرين حديثاً، وفي صحيح مسلم مائتين واثنين وثلاثين حديثاً، اتفقا على مئة وأربعة وسبعين حديثاً، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين حديثاً، وانفرد مسلم بثمانية وخمسين حديثاً، وأما باقي مروياتها فهي موجودة في باقي كتب الحديث.[١][٢]


مميزات رواية عائشة ومروياتها

كان لأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- منهج وأسلوب معين اتبعته في رواية وأخذ الحديث، كما امتازت مروياتها عن مرويات الصحابة ببعض المميزات، وآتياً بيان ذلك كله:[٣][٤]


التلقي المباشر من رسول الله

إن من أبرز ما تميّزت به مرويات وأحاديث أم المؤمنين عائشة أن معظمها تلقّته مباشرة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وسمعتها منه، فقد كانت نشأتها -رضي الله عنها- في بيت النبوة، وشاهدت أخباره -عليه الصلاة والسلام- وعلمت أحواله، فكانت هي الأقرب إليه، كما حرص -عليه الصلاة والسلام- على تعليمها وتحديثها لِما وجد فيها من الذكاء والفطنة.[٣][٤]


معظم مروياتها متضمنة سنناً فعلية

إن مما يميّز مرويات أم المؤمنين عائشة أن معظم الأحاديث التي روتها كانت متضمنة سنناً فعلية، أي تنقل لنا فعله -صلى الله عليه وسلم-، ومثال ذلك عندما سئلت -رضي الله عنها- عن قيام النبي -عليه الصلاة والسلام- لليل في رمضان، فجاء في الحديث: (أَنَّه سَأَلَ عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها: كيفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في رَمَضَانَ؟ فَقالَتْ: ما كانَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَزِيدُ في رَمَضَانَ ولَا في غيرِهِ علَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً؛ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فلا تَسَلْ عن حُسْنِهِنَّ وطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا...[٥] فهذا يدلّنا على جهودها -رضي الله عنها- ودورها وفضلها في حفظ السنة ونقلها بين الناس.[٣]


الدقة في حفظ الحديث والتحري في روايته ونقله

كانت -رضي الله عنها- حريصة في المحافظة على نقل الحديث كما هو، دقيقة في حفظ ألفاظه، أمينة في نقله، وكانت إذا لم تكن قد سمعت الحديث من فم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وحدّثها به شخص آخر، تحرّت عن الحديث، وإذا لم تعرف قائله اختبرته فتختبر حفظه وضبطه، فلا تسرع في أخذ الحديث وروايته، وإنما تعتمد عليه بعد التأكد من صحته تأكداً تاماً، وكانت تصحح وتبيّن الأخطاء إن وجدت، فكان رواة الحديث والعلماء من الصحابة يرجعون إليها ويسمّعونها الحديث ليتأكدوا من صحته، وهذه مرتبة عظيمة ودرجة عالية في حفظ الحديث وفهمه وروايته.[٣][٤]


من مرويات عائشة

من جملة الأحاديث التي روتها أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنه- ما يلي:

  • (إِذَا وُضِعَ العَشَاءُ وأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَابْدَءُوا بالعَشَاءِ).[٦]
  • (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ، في تَنَعُّلِهِ، وتَرَجُّلِهِ، وطُهُورِهِ، وفي شَأْنِهِ كُلِّهِ).[٧]
  • (كَانَتْ إحْدَانَا إذَا كَانَتْ حَائِضًا، فأرَادَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُبَاشِرَهَا أمَرَهَا أنْ تَتَّزِرَ في فَوْرِ حَيْضَتِهَا، ثُمَّ يُبَاشِرُهَا، قالَتْ: وأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إرْبَهُ، كما كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَمْلِكُ إرْبَهُ).[٨]


المراجع

  1. سليمان الندوي، سيرة السيدة عائشة أم المؤمنين، صفحة 224. بتصرّف.
  2. الذهبي، سير أعلام النبلاء، صفحة 139. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث "عائشة رضي الله عنها ورواية الحديث"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 30/10/2022. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت "حياة أم المؤمنين (عائشة رضي الله عنها) العامة والخاصة "، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 30/10/2022. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشو أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1147، حديث صحيح.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة ام المؤمنين، الصفحة أو الرقم:671، حديث صحيح.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:168، حديث صحيح.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:302، حديث صحيح.