أصغر بنات الرسول

رجّح جمعٌ من أهل العلم أنّ فاطمة الزهراء بنت النبي -صلى الله عليه وسلم- هي أصغر بناته من زوجته خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها وأرضاها-؛ فقد قال بذلك ابن سعد، وابن عبد البر، وابن رشد القرطبيّ، والطبريّ، وجمعٌ من المؤرخين والمؤلفين من أهل السّير والتراجم.[١]


يقول ابن عبد البرّ -رحمه الله- في هذا: "وقد اضطرب مصعب والزبير فِي بنات النَّبِيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أيتهن أكبر وأصغر اضطرابًا يوجب ألّا يلتفت إليه فِي ذلك، والذي تسكن إليه النفس عَلَى مَا تواترت به الأخبار فِي ترتيب بنات رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن زينب الأولى، ثم الثانية رقية، ثم الثالثة أم كلثوم، ثم الرابعة فاطمة الزهراء والله أعلم".[٢]


اسمها ولقبها وكنيتها

هي فاطمة بنت النبي -صلى الله عليه وسلم- بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشية الهاشمية،[٣] واسمها مشتق من الفَطْم؛ وهو القطع، وفطم الصغير: وقف إرضاعه، وقطع الّلبن عنه؛ وقد قال بعض أهل العلم أنّ سبب تسميّتها بهذا الاسم؛ لأنّها فُطمت وذريّتها من النار، وفطم من أحبّها من النار، وأنّها قد فُطم عنها -سبحانه- الحيض.[٤]


وغير ذلك من الأسباب التي لا دليل عليها، ليُقطع بصحّتها؛ ولعلّها محض اجتهادات،[٤] وقد كانت فاطمة -رضي الله عنها- تُلقّب بالزهراء، وتُكنّى بأم أبيها، وهي أيضاً أم الحسنين -الحسن والحسين رضي الله عنهم جميعاً-.[٥]


زواجها وأولادها

تزوّجت فاطمة بنت النبي -صلى الله عليه وسلم- من ابن عمّ النبي علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، بعد غزوة أحد، وقيل كان زواجها من عليّ -رضي الله عنهما- بعد أن بنى النبي -صلى الله عليه وسلم- بأمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- بأربعة أشهر ونصف، وقد بنى عليّ بفاطمة -رضي الله عنهما- بعد زواجه منها بتسعة أشهر ونصف، وقد كان سنّها عند زواجه خمس عشرة سنة، وكان علي -رضي الله عنه- قد بلغ الحادية والعشرين من عمره.[٦]


أمّا عن مهرها الذي وهبها إيّاه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-؛ فقيل كان درعاً لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وقيل كان أربعمائة وثمانين درهماً، وزعم بعض المؤرخين أنّ الدرع كانت بأمر من النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأجل الدخول على فاطمة -رضي الله عنها-.[٦]


ومن الجدير بالذكر أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن له عقب من نسل بناته إلا من فاطمة -رضي الله عنها-؛[٥] فقد ولدت من علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- ثلاثة أولاد، وابنتين؛ وهم:[٧]

  • الحسن -رضي الله عنه-؛ وقد وُلد في السنة الثالثة للهجرة، في منتصف شهر رمضان.
  • الحسين -رضي الله عنه-؛ وقد وُلد في السنة الرابعة للهجرة، في شهر شعبان.
  • محسن؛ وهو الولد الثالث من الذكور؛ فقد ذكر بعض المؤرخين أنّه توفي صغيراً إثر ولادته.
  • أم كلثوم -رضي الله عنها-؛ قيل إنّها ولدت قبل وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقيل ولدت في السنة السادسة للهجرة، وهي التي تزوجها عمر بن الخطاب -رضي الله عنها- فولدتْ له زيداً ورقيّة.
  • زينب -رضي الله عنها-؛ قيل إنّها ولدت في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ لم تلد فاطمة بعد وفاته النبي الكريم أحداً؛ وقد تزوّجها ابن عمها عبدُ الله بن جعفر بنِ أبي طالب بن عبد المطلب، وقد ولدت له علياً وعوناً ومحمداً وعباساً، وأم كلثوم.


وفاتها

توفيّت فاطمة -رضي الله عنها- بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لذلك قال بعض أهل العلم أنّ أجرها قد عُظّم لإصابتها بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، فلم يبقَ من ذريّته -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته سواها -رضي الله عنها-.[٣]وقد كان ذلك في شهر رمضان سنة إحدى عشرة للهجرة؛ وقد غسّلها زوجها علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ودفنها ليلاً.[٨]


وتجدر الإشارة إلى أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بشّر فاطمة -رضي الله عنها- بلحاقه بعد وفاته؛ وذلك لمّا دخلت عليه في لحظاته الأخيرة قبل وفاته -صلى الله عليه وسلم-؛ تخفيفاً لشدّة حزنها، وتثبيتها لها بعد وفاته -صلى الله عليه وسلم-، إذ ثبت في الصحيح عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي كَأنَّ مِشْيَتَهَا مَشْيُ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، فَقالَ النَّبيُّ: مَرْحَبًا بابْنَتي، ثُمَّ أجْلَسَهَا عن يَمِينِهِ، أوْ عن شِمَالِهِ، ثُمَّ أسَرَّ إلَيْهَا حَدِيثًا فَبَكَتْ، فَقُلتُ لَهَا: لِمَ تَبْكِينَ؟ ثُمَّ أسَرَّ إلَيْهَا حَدِيثًا فَضَحِكَتْ...).[٩][١٠]


وبعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- سألت أم المؤمنين فاطمة -رضي الله عنهما-؛ عن سبب بكائها وضحكها في ذلك المشهد الحزين؛ فقالت فاطمة -رضي الله عنها-: (... أسَرَّ إلَيَّ -تقصد النبي صلى الله عليه وسلم-: إنَّ جِبْرِيلَ كانَ يُعَارِضُنِي القُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وإنَّه عَارَضَنِي العَامَ مَرَّتَيْنِ، ولَا أُرَاهُ إلَّا حَضَرَ أجَلِي، وإنَّكِ أوَّلُ أهْلِ بَيْتي لَحَاقًا بي. فَبَكَيْتُ، فَقالَ: أَمَا تَرْضَيْنَ أنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أهْلِ الجَنَّةِ -أوْ نِسَاءِ المُؤْمِنِينَ؟ فَضَحِكْتُ لذلكَ).[٩][١٠]

المراجع

  1. إبراهيم بن عبد الله المديهش، فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم سيرتها، فضائلها، مسندها رضي الله عنها، صفحة 54-55، جزء 2. بتصرّف.
  2. ابن عبد البر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، صفحة 1893، جزء 4. بتصرّف.
  3. ^ أ ب عبد المحسن العباد، فضل أهل البيت وعلو مكانتهم عند أهل السنة والجماعة، صفحة 57. بتصرّف.
  4. ^ أ ب إبراهيم بن عبد الله المديهش، فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم سيرتها، فضائلها، مسندها رضي الله عنها، صفحة 96-100، جزء 2. بتصرّف.
  5. ^ أ ب أمين الشقاوي، الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة، صفحة 251، جزء 12. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ابن عبد البر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، صفحة 1893-1894، جزء 4. بتصرّف.
  7. إبراهيم بن عبد الله المديهش، المختصر من أخبار فاطمة بنت سيد البشر صلى الله عليه وآله وسلم، صفحة 53-54. بتصرّف.
  8. شمس الدين البرماوي، اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح، صفحة 333، جزء 10. بتصرّف.
  9. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:3623، صحيح.
  10. ^ أ ب محمد الصوياني، السيرة النبوية كما جاءت في الأحاديث الصحيحة، صفحة 296، جزء 4. بتصرّف.