حب الرسول عليه الصلاة والسلام للأطفال

كان النبي الحبيب محمّد -صلى الله عليه وسلم- يُلاطف الصّغار ويحنو عليهم رغم ما لديه من الواجبات والأعباء الكثيرة، فلم يكن يشغلْه ذلك عن رعاية الأطفال والاهتمام بهم، بل كان يُعطّي كلّ شيءٍ حقّه، ويحرص على الصغار حتى ينشأ الواحد منهم سويّ العاطفة والخُلُق في المجتمع، وفي السيرة النبوية وحياة النبي الكثير من المواقف التي ظهر فيها مقدار حبّ النبي الكريم للأطفال.[١]


وقد كان النبي الكريم يُلاعب الأطفال ويُمازحهم، ويرفق بهم، ويفعل كلّ ما يعرف أنّه سيُدخل السرور إلى قلوبهم، وقد أدرك هذه المعاني جيِّداً الصحابي الكريم أنس بن مالك -رضي الله عنه-، فقد عاش في كنف النبي وهو صغير، وبقي عنده يخدمه عشر سنوات، ولم يذكر فيها أنّ النبي الكريم نَهَرَه أو أساء معاملته، وما وجد منه إلا الرحمة والإحسان.[١]


وقد ضرب النبي الكريم أروع الأمثلة في تواضعه ورحمته بالأطفال، فعن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: (جَاءَ أعْرَابِيٌّ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَقَالَ: تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ؟ فَما نُقَبِّلُهُمْ، فَقَالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أوَأَمْلِكُ لكَ أنْ نَزَعَ اللَّهُ مِن قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ).[٢]


مواقف من حب الرسول للأطفال

إنّ المواقف التي ظهر فيها حسن تعامل النبي مع الأطفال ومحبّته لهم ورحمته بهم في السّيرة النبويّة كثيرةٌ لا تُحصى، لِذا نقف على أبرزها فيما يأتي لعلّ ذلك يُحيي القلوب، ويحثّها على الاقتداء بمنهجه الكريم في تربية الأطفال وغرس الأثر الطيّب في نفوسهم:[٣][٤]


تقبيل النبي للأطفال

كان النبي الكريم رحيماً بالصّغار حنوناً عليهم، وكان كثيراً ما يأخذهم في حضنه ويقبّلهم، ومن ذلك ما ثبت عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: (ما رَأَيْتُ أَحَدًا كانَ أَرْحَمَ بالعِيَالِ مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: كانَ إبْرَاهِيمُ مُسْتَرْضِعًا له في عَوَالِي المَدِينَةِ، فَكانَ يَنْطَلِقُ وَنَحْنُ معهُ، فَيَدْخُلُ البَيْتَ... فَيَأْخُذُهُ فيُقَبِّلُهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ).[٥]


الرفق بهم وعدم نهرهم

من المواقف التي تدلّ على رفق النبي الكريم بالصّغار ما كان يفعله من التخفيف في الصلاة عند سماعه لبكاء الطفل، فقد قال -عليه الصلاة والسلام-: (إنِّي لَأَقُومُ في الصَّلَاةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فأسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فأتَجَوَّزُ في صَلَاتي كَرَاهيةَ أَنْ أَشُقَّ علَى أُمِّهِ).[٦]


ومعلومٌ عن الأطفال الشقاوة وكثرة الحركة، ومع ذلك لم يكن النبيّ الكريم ينهرهم أو يغضب منهم أو يزجرهم، ومن المواقف التي يظهر فيها حُلُم النبي الكريم بالصغار ما ثبت عن عائشة -رضي الله عنها- إذْ قالت: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُؤْتَى بالصِّبْيَانِ فَيَدْعُو لهمْ، فَأُتِيَ بصَبِيٍّ فَبَالَ علَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بمَاءٍ فأتْبَعَهُ إيَّاهُ، ولَمْ يَغْسِلْهُ).[٧]


ملاطفتهم ومداعبتهم

كان الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- يُلاعب الأطفال ويُمازحم، ومن أبرز المواقف التي ظهر فيها ذلك ما يأتي:

  • لقي أحفاد النبي الكريم حظَّاً وافراً من العطف والحنان، فقد كان يحمل حفيدته أمامة بنت زينب -رضي الله عنهما- في صلاته، فإذا سجد وضعها على الأرض، وإذا قام حملها، وكذلك كان يفعل مع الحسن والحسين -رضي الله عنهما- في صغرهما.


  • كان يُلاطف أخا أنس بن مالك -رضي الله عنه-، فيسأله عن طيره الذي بلغه أنّه افتقده وحزن عليه بعد موته، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: (كانَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وكانَ لي أخٌ يُقَالُ له: أبو عُمَيْرٍ -قالَ: أحْسِبُهُ- فَطِيمًا، وكانَ إذَا جَاءَ قالَ: يا أبَا عُمَيْرٍ، ما فَعَلَ النُّغَيْرُ؟).[٨]


  • يروي محمود بن الربيع -رضي الله عنه- موقفاً لا تنساه ذاكرته عن ملاطفة النبي له ومزاحه معه، فيقول: (عَقَلْتُ مِنَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَجَّةً مَجَّها في وجْهِي وأنا ابنُ خَمْسِ سِنِينَ مِن دَلْوٍ)،[٩] والمجّ هو إرسال الماء من الفم من بعيد، وإنّما فعل النبي ذلك معه مداعبةً له أو حتى يُبارك عليه.


تعليمهم وإرشادهم

كان النبي الكريم يحرص على تعليم الصّغار ما ينفعهم ويُفيدهم، ومن ذلك ما ثبت عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: (كنتُ خلفَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومًا، قال: يا غلامُ، إني أعلِّمُك كلماتٍ: احفَظِ اللهَ يحفَظْك، احفَظِ اللهَ تجِدْه تُجاهَك، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ، وإذا استعنْتَ فاستعِنْ باللهِ...)،[١٠] إلى آخر الحديث.


الدعاء لهم

كان الحبيب المصطفى يدعو للصغار بما ينفعهم في دنياهم وآخرتهم، ومن المواقف التي يظهر فيها ذلك ما يأتي:[١١]

  • عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: (رَأَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ علَى عَاتِقِهِ، يقولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أُحِبُّهُ فأحِبَّهُ).[١٢]


  • عن أسامة بن زيد -رضي الله عنه- قال: (كانَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَأْخُذُنِي فيُقْعِدُنِي علَى فَخِذِهِ، ويُقْعِدُ الحَسَنَ علَى فَخِذِهِ الأُخْرَى، ثُمَّ يَضُمُّهُمَا، ثُمَّ يقولُ: اللَّهُمَّ ارْحَمْهُما؛ فإنِّي أرْحَمُهُمَا)،[١٣] وقد كان أسامة -رضي الله عنه- يُلقّب بحبّ رسول الله من شدّة حبّ النبي الكريم له.


  • عن عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ كانَ يُؤْتَى بالصِّبْيَانِ، فيُبَرِّكُ عليهم وَيُحَنِّكُهُمْ).[١٤]


احترامهم وتقديرهم

كان النبي الكريم لا يمنع جلوس الصغار في مجالسه مع النّاس والأشياخ، بل يفسح لهم المجال، ويُقوّي شخصيّتهم ويبثّ الثقة في نفوسهم، وذات يومٍ أُتي للنبي بقدحٍ فيه لبن، فشرب منه، وكان على يمينه غلامٌ صغير، وعلى شماله الأشياخ، فاستأذن الصغير وقال له: (يا غُلَامُ أَتَأْذَنُ لي أَنْ أُعْطِيَهُ الأشْيَاخَ)،[١٥] فردّ الصغير وقال: "ما كنت لأوثر بفضلي منكَ أحداً يا رسول الله"! فأعطاه النبي إيّاه أوَّلاً.


الحزن على فراقهم

كانت عينا النبي الكريم تفيض بالدّموع عند موت الصّغار، وقد سأله سعد بن عبادة -رضي الله عنه- عن ذلك، فقال له النبي الكريم: (هذِه رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ في قُلُوبِ عِبَادِهِ، وإنَّما يَرْحَمُ اللَّهُ مِن عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ)،[١٦] وعندما توفّي ابنه الصغير إبراهيم بكى وقال: (إنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، والقَلْبَ يَحْزَنُ، ولَا نَقُولُ إلَّا ما يَرْضَى رَبُّنَا، وإنَّا بفِرَاقِكَ يا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ).[١٧]

المراجع

  1. ^ أ ب منقذ السقار، الدين المعاملة، صفحة 24-26. بتصرّف.
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:5998، صحيح.
  3. سعيد بن وهف القحطاني، الهدي النبوي في تربية الأولاد في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 164-169. بتصرّف.
  4. عبد الملك بن قاسم، يوم في بيت الرسول، صفحة 58-61. بتصرّف.
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:2316، صحيح.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي قتادة الحارث بن ربعي، الصفحة أو الرقم:707، صحيح.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:6355، صحيح.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:6203، صحيح.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن محمود بن الربيع الأنصاري، الصفحة أو الرقم:77، صحيح.
  10. رواه الترمذي ، في سنن الترمذي، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:2516، صحيح.
  11. منقذ السقار، الدين المعاملة، صفحة 24-28. بتصرّف.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم:3749، صحيح.
  13. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أسامة بن زيد، الصفحة أو الرقم:6003، صحيح.
  14. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:2147، صحيح.
  15. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سهل بن سعد الساعدي، الصفحة أو الرقم:2351، صحيح.
  16. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أسامة بن زيد، الصفحة أو الرقم:7377، صحيح.
  17. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:1303، صحيح.