وصية الرسول بالنساء
أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- الرجال؛ من الأزواج، والآباء، والأبناء، والإخوة؛ بالنساء، وأمر بالإحسان إليهنّ، وإعطائهن حقوقهنّ، ونهى عن ظلمهنّ وقهرهنّ وكسرهنّ؛ وقد مثّل النبي -صلى الله عليه وسلم- خير مثال على ذلك، فكان النبي القدوة الحسنة لكل رجال أمته؛ بتعامله مع أزواجه، وبناته، وقريباته.
ومن الجدير بالذكر أنّ الوصاية بالنساء والمحافظة عليهن ومراعاة جانبهن؛ جاء تخصيص ذكرها في خطبة حجّة الوداع؛[١] وكأنّ في ذلك إشارة إلى أبرز الأمور التي يكون فيها صلاح الأُسر المسلمة، وصلاح المجتمعات، وبالتالي صلاح حال هذه الأمة، ولقد ثبت في وصيّته بالنساء عدّة أحاديث نبويّة؛ بيّن فيها النبي الكريم -صلوات ربي وسلامه عليه- أسباب التشديد والحرص على رعاية النساء؛ والتي يمكن توضيحها بالآتي:
خلقن من ضلع أعوج
قال -صلى الله عليه وسلم-: (... اسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا؛ فإنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِن ضِلَعٍ، وإنَّ أعْوَجَ شَيءٍ في الضِّلَعِ أعْلاهُ، فإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وإنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ، فاسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا)؛[٢] وفي هذا الحديث تظهر بلاغة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ جاءت الوصية بصيغة الزيادة والتأكيد؛ أمراً منه -عليه السلام- بالاعتناء بالنساء، وتبليغ هذه الوصية جيلاً بعد جيل؛ فلم تكن مجرد أمر مؤقت؛ إنّما أبقاها -صلى الله عليه وسلم- وصية قائمة إلى يوم القيامة.[٣]
ثم يظهر لطيف عباراته، ودقة توصيفه -صلى الله عليه وسلم- للنساء؛ بأنّهنّ خلقن من ضلع أعوج؛ إشارة إلى أصل خلق حواء من ضلع آدم -عليهما السلام-، وهذا الضلع الأعوج فيه تشبيه لحالها واختلافها عن الرجل بطريقة تفكيرها، وطبيعة نفسها وعاطفتها؛ وفي هذا حثّ على حسن مداراتها، وملاطفتها، والصبر على ما قد يقع منها، فإنّ تقويم هذا العوج بالنسبة للرجال يؤدي إلى كسر هذه المرأة، وقهرها وظلمها.[٤]
إذ إنّ الرجل الذي يُحاول تقويم طبيعة المرأة وفق ما يراه بطبيعته هو، من القوة والصلابة، وتغليب العقل على العاطفة؛ فإنّه بذلك يظلمها ويكسرها، وإن تركها على حالها بقيت على ما جُبلت عليه،[٤] وهذا النقص والعوج -بالنسبة للرجل- هو غاية المناسبة لخلقتها، ومسؤولياتها في بيتها، ومع زوجها وأطفالها، وليس هذا مدعاة لاتهامها بالنقص، أو لاحتجاجها بطبيعتها لارتكاب المخالفات، إنّما هو تنبيه كما ذكرنا للرجال ليحسنوا التعامل مع نسائهم بالمعروف، والحلم والأناة.[٥]
كونهن أسيرات في بيوتهن
قال -صلى الله عليه وسلم-: (... ألا واستَوصوا بالنِّساءِ خيرًا، فإنَّما هُنَّ عوانٍ عندَكم...)؛[٦] ويُقصد بالعوان الأسيرات؛[٧] ولا يعني ذلك إهانة المرأة أو تقليل قيمتها، أو ذلّها والتعامل معها على أنّها من العبيد؛ إنّما دلالة على أنّهن يلتزمن بيوتهن خدمة لأزواجهنّ، وطاعة لهم؛ فلا يخرجن بدون إذنهم، ولا يُدخلن إلى بيوتهنّ من لا يرغب به أزواجهنّ؛[٨] كما أنّ وصفهنّ بالأسيرات فيه إشارة إلى ضعفهنّ، وانتقالهنّ لبيوت أزواجهنّ بعد أن كنّ في بيوت آبائهن.[٩]
أخذهن بأمان الله
نبّه النبي -صلى الله عليه وسلم- الرجال من التفريط بعهد الله -تعالى- تجاه النساء؛ فقال -صلى الله عليه وسلم-: (... فَاتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ؛ فإنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بكَلِمَةِ اللهِ...)،[١٠] وهذا الحديث يدلّ على أنّ الرجل مؤتمن على امرأته، مسؤول عمن أمسكها في عصمته بشريعة الله -تبارك وتعالى-، ومسؤول عن الأمانة التي عهدها الله -تعالى- إليه، وعمّا ترتب على هذا الزواج من استحلال للفرج بعقد النكاح.[١١]
وينبغي للرجل أن يراعي هذه الزوجة التي طابت له، وطاب لها بشرع الله -تعالى-، وبرضاها وقبولها، فلا يكون لها فتنة، ولا يهضمها حقّها، ولا يقصّر في أداء حقوقها؛ فيُسأل عن ذلك لتضييعه عهد الله -تعالى- وأمانته.
المراجع
- ↑ أمة الله بنت عبد المطلب، رفقا بالقوارير نصائح للأزواج، صفحة 54. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:5185، صحيح.
- ↑ عطية سالم، شرح الأربعين النووية، صفحة 4، جزء 37. بتصرّف.
- ^ أ ب عبد القادر شيبة الحمد، فقه الإسلام شرح بلوغ المرام، صفحة 41-42، جزء 7. بتصرّف.
- ↑ "في معنى حديث " أن المرأة خلقت من ضلع ""، الإسلام سؤال وجواب، 22/3/2017، اطّلع عليه بتاريخ 16/5/2023. بتصرّف.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عمرو بن الأحوص، الصفحة أو الرقم:3087، حسنه الألباني.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، موسوعة محاسن الإسلام ورد شبهات اللئام، صفحة 231، جزء 10. بتصرّف.
- ↑ محمد الأمين الهرري، شرح سنن ابن ماجه للهرري مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه، صفحة 33، جزء 11. بتصرّف.
- ↑ "معنى كون الزوجة أسيرة عند زوجها"، إسلام ويب، 14/7/2011، اطّلع عليه بتاريخ 16/5/2023. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:1218، صحيح.
- ↑ محمد الأمين الهرري، الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، صفحة 44، جزء 14. بتصرّف.