مظاهر رحمة النبي بالحيوان

كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أرحم الخلق بالخلق، فقد بعثه الله -تعالى- رحمةً مهداة للعالمين؛ فقال سبحانه: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)،[١] وقد تجلّت مظاهر رحمته -صلى الله عليه وسلم- بالمخلوقات جميعها، وفضلاً عن رحمته بالنّاس؛ فقد ظهرت رحمته بالحيوانات والنباتات؛ ونستعرض فيما يأتي بعض مظاهر رحمة النبي -صلى الله عليه وسلم- بالحيوان:


النهي عن تعذيب الحيوانات

ظهر نهي النبي الكريم عن تعذيب الحيوانات في نصوص عديدة يُصعب حصرها في هذا الموضع؛ إذ إنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يستقوي الإنسان على الحيوانات والمخلوقات الضعيفة؛ فيُعذّبها بوسائل التعذيب، أو يحرمها من صغارها على سبيل اللهو والعبث.


وقد ثبت عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنّه قال: (كنا مع رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- في سفرٍ فانطلق لحاجته، فرأينا حمَّرةً معها، فرخان فأخذْنا فرخَيها فجاءت الحُمَّرةُ، فجعلت تفرشُ فجاء النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فقال من فجع هذه بولدِها؟ رُدُّوا ولدَها إليها. ورأى قريةَ نملٍ قد حرقناها، فقال: من حرقَ هذه؟ قلنا: نحن، قال: إنه لا ينبغي أن يعذِّبَ بالنارِ إلا ربُّ النارِ).[٢][٣]


وفي هذا الحديث يظهر مدى رحمته وشفقته بهذا الطير؛ إذ فهم النبي -صلى الله عليه وسلم- من اضطراب حركة الحُمرة -نوع من أنواع الطيور- أنّها مفجوعة لفقدها صغارها، وكأنّها تستجير به -صلى الله عليه وسلم-، فردّ عليها بأنْ أمر الصحابة أن يُعيدوا لها الفراخ، ثم رأى قرية للنمل قد أُحرقت بالنار؛ فنبّه إلى معنى عظيم؛ بأنّه لا يصحّ التعذيب بالنار إلا من الله -سبحانه-، رحمةً بهذه المخلوقات، وتواضعاً لله -سبحانه-، بأن لا يتشّبه الإنسان بغضبه -سبحانه- في تعذيب أهل النّار.[٣]


إحسان الذبح

إنّ الله -سبحانه- كتب الإحسان على كل شيء، وأمر عباده بهذا المبدأ الجليل في أصغر الأمور وأكبرها، ومن ذلك ما أرشد إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- عند ذبح الذبائح؛ حيث دعا إلى إحسان الذبح والقتل بأنّ يسنّ الذابح سكينه جيداً قبل الذبح؛ فتكون حادّة سريعة المرور على عنق الذبيحة، فيرحمها الذابح بخروج الدم والروح منها سريعاً فلا تتعذب بذلك؛ وفي هذا قال -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإحْسَانَ علَى كُلِّ شيءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فأحْسِنُوا القِتْلَةَ، وإذَا ذَبَحْتُمْ فأحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ).[٤][٥]


النهي عن اتخاذ الحيوانات كراسي من غير حاجة

إنّ هذا النهي يدل على حرصه -صلى الله عليه وسلم- الشديد على تكريم المخلوقات، وعدم امتهانها بجعلها مكاناً يُتخذ للحديث أو للجلوس عليه من غير مسوّغ؛ فقد قال -صلى الله عليه وسلم- حين مرّ برجال يجلسون على دوابهم، مستأنسين بالحديث: (ارْكَبوا هذه الدَّوابَّ سالِمةً، وابتَدِعوها سالِمةً، ولا تتَّخِذوها كراسيَ)،[٦] وينبغي التنبيه إلى أنّ النهي هنا في حال المفاكهة والتندّر، لا عن عموم القول النافع الطيّب؛ فقد خطب النبي -صلى الله عليه وسلم- على الناقة أمام الناس.[٧]


مراعاة مشاعر الحيوانات

صحّ في الأثر أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم دخل إحدى نواحي المدينة المنورة؛ فوجد فيها جملاً يُصدر صوتاً حزيناً؛ فلمّا رآه النبي -صلى الله عليه وسلم- واقترب منه حنّ هذا الجمل وسالت دموعه شاكياً للنبي -صلى الله عليه وسلم- حاله، ففهم -صلى الله عليه وسلم- ما أخبره الجمل؛ إذ كان هذا من معجزات النبي، ثم مسح على هذا الجمل حتى هدأ، ثم سأل -صلى الله عليه وسلم- عن صاحبه؛ فردّ فتًى من الأنصار أنّه له؛ فقال له معاتباً: (أفلا تتَّقي اللَّهَ في هذِهِ البَهيمةِ الَّتي ملَّكَكَ اللَّهُ إيَّاها؟ فإنَّهُ شَكا إليَّ أنَّكَ تُجيعُهُ وتُدئبُهُ).[٨][٩]


حيث طلب النبي -صلى الله عليه وسلم- من هذا الفتى أن يتقي الله -تعالى- في هذا الجمل؛ الذي لا لسان له ليشكو حاله، أو يُعبر عن جوعه وتعبه وتحميله ما لا يُطيق، فلا يُقابل إكرام الله -تعالى- بتمليكه ورزقه لهذه الدّابة، بالمعصية والإساءة، بل يكون ذلك بالإحسان والامتنان له -سبحانه-.[٩]


ترتيب الأجر على الإحسان للحيوانات

ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (بيْنَا رَجُلٌ بطَرِيقٍ، اشْتَدَّ عليه العَطَشُ، فَوَجَدَ بئْرًا، فَنَزَلَ فِيهَا، فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ، يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فَقالَ الرَّجُلُ: لقَدْ بَلَغَ هذا الكَلْبَ مِنَ العَطَشِ مِثْلُ الذي كانَ بَلَغَ مِنِّي، فَنَزَلَ البِئْرَ فملأ خُفَّهُ مَاءً، فَسَقَى الكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ له فَغَفَرَ له، قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، وإنَّ لَنَا في البَهَائِمِ لَأَجْرًا؟ فَقالَ: في كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ).[١٠][١١]


وفي رواية أخرى أنّ الله -تعالى- جزى هذا الرجل بالجنّة نتيجة إحسانه إلى هذا الكلب العطشان، وأنّه رحم حاله كما رحم مخلوقات الله -تعالى-، ثم أكدّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّ سقاية الماء لكلّ المخلوقات التي تهلك بدونه، من الأعمال التي يثبت لها الأجر والثواب الجزيل، وإن كان عملاً يسيراً في نظر صاحبه، إلا أنّه عند الله -تعالى- كبير عظيم.[١١]

المراجع

  1. سورة الأنبياء، آية:107
  2. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:5268، صححه الألباني.
  3. ^ أ ب ابن رسلان، شرح سنن أبي داود لابن رسلان، صفحة 487-488، جزء 11. بتصرّف.
  4. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن شداد بن أوس، الصفحة أو الرقم:1955، صحيح.
  5. محمد بن إبراهيم التويجري، موسوعة الفقه الإسلامي، صفحة 370، جزء 4. بتصرّف.
  6. رواه الحاكم، في المستدرك على الصحيحين، عن معاذ بن أنس، الصفحة أو الرقم:1645، صحيح.
  7. الصنعاني، التنوير شرح الجامع الصغير، صفحة 294-295، جزء 2. بتصرّف.
  8. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم:2549، صحيح.
  9. ^ أ ب ابن علان، دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين، صفحة 452-453، جزء 6. بتصرّف.
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم:2466، صحيح.
  11. ^ أ ب ابن عثيمين، شرح رياض الصالحين لابن عثيمين، صفحة 171-172، جزء 2. بتصرّف.