كيف كان تعامل الرسول مع زوجاته؟

تعامل الرسول مع زوجاته

ليس غريباً أنْ تحظى زوجات النبي -صلى الله عليه وسلّم- بجميل معشره وحُسن رعايته؛ فقد كان يوصي أصحابه الكرام ويحثّهم على تعهّد حقوق زوجاتهم وأهل بيتهم، وتأكيداً على هذا المعنى يقول النبي الكريم: (خَيْرُكُمْ خَيْرَكُمْ لأهلِهِ، وأنا خَيْرُكُمْ لأهلِي).^[١]

وكانت الوصيّة بالزّوجات حاضرة بقوّة في خطبة الوداع؛ فكان ممّا أوصى به النبي -صلى الله عليه وسلم- بشأنهنّ قوله: (أَلَا واسْتَوْصُوا بالنساءِ خيرًا، فإنما هُنَّ عَوَانٌ عندَكم، ...).

مشاركة النبي الكريم زوجاته أعمال البيت

تصف السيدة عائشة -رضي الله عنها- حال النّبي -عليه الصلاة والسلام- في بيته؛ فتقول: (كانَ يَكونُ في مِهْنَةِ أهْلِهِ -تَعْنِي خِدْمَةَ أهْلِهِ- فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ إلى الصَّلَاةِ).^[٢]

وفي رواية أكثر تفصيلاً تقول أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عندما سألها رجل: (هل كان رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يعمَلُ في بيتِه؟ قالت: نَعم كان رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يخصِفُ نعلَه ويَخيطُ ثوبَه، ويعمَلُ في بيتِه كما يعمَلُ أحَدُكم في بيتِه).^[٣]

وهذه الأحاديث تؤكّد أنّ النبي الكريم كان يمارس التّشاركية في أعباء المنزل كنهج عملي؛ رغم المسؤوليات الثّقال المُلقاة على عاتقه، وهذه الهدي النبويّ يُشكّل رسالة صريحة لكلّ زوج في الحثّ على أنْ يكون جزءاً فاعلاً داخل أسرته؛ بعيداً عن مسلك إصدار الأوامر، وبعيداً عن الفهم المغلوط لقوامته على أهل بيته.

إدخال النبيّ السّرور على قلوب زوجاته

تبشير خديجة بالجنّة

صَحَّ في الحديث عَنْ أبي هريرة -رضي الله عنه- أَنَّه قال: (أَتَى جِبْرِيلُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلّم- فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ: هذِه خَدِيجَةُ قدْ أتَتْ معهَا إنَاءٌ فيه إدَامٌ، أوْ طَعَامٌ أوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هي أتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِن رَبِّهَا ومِنِّي، وبَشِّرْهَا ببَيْتٍ في الجَنَّةِ مِن قَصَبٍ، لا صَخَبَ فِيهِ ولَا نَصَبَ)،^[٤] وقوله: "لا صَخَبَ فِيهِ ولَا نَصَبَ" أي: لا صِياحَ فيه ولا صراخ، ولا تعب فيه أو مشقة.^[٥]

وخديجة -رضي الله عنها- هي التي واستْ النبي الكريم بعد أنْ نزل عليه الوحي أوّل مرّة في غار حراء؛ فكانت له المؤنسة والنّاصحة، وكانتْ به شفيقة رحيمة، وكان ممّا قالته له: (كَلّا واللَّهِ ما يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا، إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوائِبِ الحَقِّ، ...).^[٦]

وتعقيباً على هذا ذكر أهلُ العلم في مُنَاسَبَةُ نَفْيِ هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ، وهما الصَّخَبَ والنَّصَبَ، أي: الْمُنَازَعَةَ وَالتَّعَبَ، أَنَّ خَدِيجَةُ أَجَابَتْ إِلَى الْإِسْلَامِ طَوْعًا؛ فَلَمْ تُحْوِجْهُ إِلَى رَفْعِ صَوْتٍ وَلَا مُنَازَعَةٍ وَلَا تَعَبٍ فِي ذَلِكَ، بَلْ أَزَالَتْ عَنْهُ كُلَّ نَصَبٍ، وَآنَسَتْهُ مِنْ كُلِّ وَحْشَةٍ، وَهَوَّنَتْ عَلَيْهِ كُلَّ عَسِيرٍ؛ فَنَاسَبَ أَنْ يَكُونَ مَنْزِلُهَا الَّذِي بَشَّرَهَا الله -تَعَالى- بِهِ بِالصِّفَةِ الْمُقَابِلَةِ لِمَحاسِنِ فِعْلِهَا".^[٧]

إفساح المجال لعائشة في الاستمتاع باللهو المباح

خصّ النبي الكريم زوجته عائشة بمزيد من التّدليل والتّحبب؛ نظراً لصغر سنّها، ومراعاة لحاجاتها العُمْرية، ومن المشاهد التي تؤكّد على ذلك ما يأتي:

• عن عائِشةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْها- قالت: (كانَ الحَبَشُ يَلْعَبُونَ بحِرَابِهِمْ، فَسَتَرَنِي رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلّم- وأَنَا أنْظُرُ، فَما زِلْتُ أنْظُرُ حتَّى كُنْتُ أنَا أنْصَرِفُ، فَاقْدُرُوا قَدْرَ الجَارِيَةِ الحَدِيثَةِ السِّنِّ، تَسْمَعُ اللَّهْوَ).^[٨]

وقولها: (فَما زِلْتُ أنْظُرُ حتَّى كُنْتُ أنَا أنْصَرِفُ) يحملُ معنىً متأصّلاً في نفس النبي الكريم، وهو سعة ورحابة صدره، فلم يكن ليضيق صدره، أو يعبس وجهه من رغبة عائشة بمتابعة لعب صبية الحبشة في المسجد.

• عَنْ عائِشةَ أمِّ المُؤْمِنين -رَضِيَ اللهُ عَنْها-: (أنَّها كانَت معَ النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- في سفَرٍ قالت: فسابقتُهُ فسبقتُهُ على رجليَّ، فلمَّا حَملتُ اللَّحمَ سابقتُهُ فسبقَني فقالَ: هذِهِ بتلكَ السَّبقةِ).^[٩]

وهذا مشهد لافتٌ يقرّرُ فيه النبي -عليه الصلاة والسّلام- جانباً مهماً في توسيع مدارك الفهم لاحتياجات ورغبات الزّوجة حديثة العمر، وقد تعدّى الأمر به إلى حدود مشاركتها في السّباق.

دفاع النبي الكريم عن زوجاته

تعدّدت مشاهد دفاع النبي صلى الله عليه وسلّم- عن زوجاته، ولم يكنْ ليرضى أنْ تهان إحداهنّ، أو يُنقص من شأنها، ومن ذلك:

• تقول السّيدة عائشة -رضي الله عنها-: كان النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- إذا ذكَرَ خَديجةَ أَثْنى عليها، فأحسَنَ الثناءَ، قالت: فغِرْتُ يومًا، فقُلْتُ: ما أكثرَ ما تذكُرُها حَمراءَ الشِّدْقِ، قد أبدَلَكَ اللهُ -عزَّ وجلَّ- بها خَيرًا منها، قال: (ما أبدَلَني اللهُ -عزَّ وجلَّ- خَيرًا منها، قد آمَنَتْ بي إذ كفَرَ بي الناسُ، وصدَّقَتْني إذ كذَّبَني الناسُ، وواسَتْني بمالِها إذ حرَمَني الناسُ، ورزَقَني اللهُ -عزَّ وجلَّ- ولَدَها إذ حرَمَني أولادَ النِّساءِ).^[١٠]

• عن أَنَس بن مالِك -رَضِيَ اللهُ عَنْه- قالَ: (بَلَغَ صَفِيَّةَ أنَّ حفصةَ قالتْ: بنتُ يَهودِيٍّ؛ فَبَكَتْ، فَدخلَ عليْها النبيُّ وهيَ تَبْكِي، فقال: ما يُبْكِيكِ؟ قالتْ: قالتْ لي حَفصةُ إنِّي ابنَةُ يَهودِيٍّ؛ فقال النبِيُّ -صلى الله عليه وسلّم-: وإِنَّكِ لابنَةُ نبيٍّ، وإِنَّ عَمَّكِ لَنَبِيٌّ، وإِنَّكِ لَتَحْتَ نبيٍّ، فَبِمَ تَفْخَرُ عَلَيْكِ؟! ثُمَّ قال: اتَّقِي اللهَ يا حَفصةُ).^[١١]