مظاهر شخصية الرسول -صلى الله عليه وسلم-

تميزت شخصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن غيره من البشر بمظاهر فريدة لم تجتمع فيمن سواه، وقد وضحت السيرة النبوية الكثير من تلك المظاهر العظيمة، ومنها:


الكمال

مُنح الرسول -صلى الله عليه وسلم- من ربه -تعالى- مظاهر الكمال البشري، وتجلت صور ذلك الكمال في الكثير من الصفات والشمائل والفضائل التي تحلى بها، ومنها:[١]

  • أنه كان أول المسلمين وأخشاهم وأتقاهم لله -تعالى-، وبذلك كان أكمل المؤمنين إيماناً، وأفضلهم ديناً واعتقاداً، قال -تعالى-: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ}.[٢]
  • أنه كان أفضل الناس أخلاقاً، ومن أخلاقه العظيمة أنه كان صابراً رحيماً حليماً كريماً متواضعاً، وكانت أخلاقه لا مثيل لكمالها وعظمتها، فهي أكمل الأخلاق على الإطلاق، جاء في الحديث: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا).[٣]
  • أنه كان نموذجاً مثالياً للاقتداء والتأسي، في كل الحالات والمجالات، في العبادة والزهد، وفي الزوجية والأبوة، وفي التعليم والتربية، وغير ذلك الكثير، قال -تعالى-: {لَقَدْ كَانَ لَكُم فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.[٤]
  • ومن مظاهر كماله أيضاً أنه كان أكمل الناس خَلْقَاً وأجملهم على الإطلاق، حتى أنه فاق بجماله يوسف -عليه السلام-، وكانت شمائله أجمل الشمائل وأكملها، جاء في الحديث: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَحْسَنَهُمْ خَلْقًا، ليسَ بالطَّوِيلِ الذَّاهِبِ، وَلَا بالقَصِيرِ).[٥][٦]


التوازن

من مظاهر شخصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- التوازن، وهو من دلائل نبوته، ويتجلى هذا التوازن في اجتماع ذلك الكمّ الكبير من الصفات والشمائل الحسنة في شخصيته دون أن يطغى جانبٌ منها على الآخر، ونستطيع أن نقسم التوازن في شخصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى عدة أنواع، منها:[٧]


توازن النفسي

لقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يتمتع بنفسٍ سويةٍ مثالية معتدلة غاية الاعتدال، وكانت تصرفاته تحدث في مكانها وزمانها المناسبين بكل دقة، فلم يكن مزاجياً، ولا عصبياً، ولا بارداً أو سلبياً، بل كان يتفاعل مع كل الأحداث بأفضل وأكمل ما يجب، فكان يفرح في وقت الفرح، ويحزن في وقت الحزن، ويبكي في المواقف المؤثرة، ولم يكن عبوساً أو فظاً أو حاد الطباع، ولا كان هزلياً أو كثير الضحك، بل كان متوازناً بين هذا وذاك، دون إفراط أو تفريط، فكان يبتسم بوجهه البشوش ويمازح أصحابه أحياناً، كما جاء في الحديث عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (ربَّما قال لي النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا ذا الأُذُنَيْنِ، قال أبو أُسامَةَ: يعني يُمازِحُه)،[٨] وكان يتأثر ويحزن لفقد أحبابه، كما حصل عندما مات ابنه إبراهيم فبكى وقال: (تَدْمَعُ العَيْنُ وَيَحْزَنُ القَلْبُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا ما يَرْضَى رَبَّنَا، وَاللَّهِ يا إِبْرَاهِيمُ إنَّا بكَ لَمَحْزُونُونَ).[٩]


التوازن السلوكي

كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- نبياً وزوجاً، وأباً وقائداً، ومحارباً وقاضياً، ومعلماً وعابداً، وغير ذلك من الأدوار الكثيرة التي عاشها في حياته، والتي مثلت نماذج حية للقدوة العملية لكافة فئات الناس، وكان التوازن السلوكي في شخصيته -صلى الله عليه وسلم- واضحاً في جميع تلك الأدوار، فكان متوازناً بين أقواله وأفعاله، فما كان يأمر بشيء إلا كان أول مُنَفِّذٍ له، وما كان ينهى عن شيء إلا كان أول مُبتَعِدٍ عنه، وكان يختار أسهل الخيارات وأيسرها، جاء في الحديث: (ما خُيِّرَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيْنَ أمْرَيْنِ إلَّا اخْتارَ أيْسَرَهُما ما لَمْ يَأْثَمْ، فإذا كانَ الإثْمُ كانَ أبْعَدَهُما منه)،[١٠] وكان متوازناً في جده وهزله، فكان لا يقول إلا الصدق، ولا يتكلم إلا بالحق، حتى لو كان مازحاً، وكان متوازناً في أخلاقه، فلا يغلب غضبه حلمه، ولا قوته عفوه، ولا حزمه رفقه، ولا عدله رحمته، والعكس صحيح، فكان يعطي كل ذي حق حقه، ولا يظلم أحداً بقول أو فعل، ولا ينتصر لنفسه أبداً حتى لو أُسيء إليه، جاء في الحديث: (ما ضَرَبَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ شيئًا قَطُّ بيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا، إلَّا أَنْ يُجَاهِدَ في سَبيلِ اللهِ، وَما نِيلَ منه شيءٌ قَطُّ، فَيَنْتَقِمَ مِن صَاحِبِهِ، إلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شيءٌ مِن مَحَارِمِ اللهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ).[١١]


التوازن الروحي

والمقصود به التوازن في العبادة والتطوع، فقد كان -صلى الله عليه وسلم- متوازناً في عبادته أيضاً، بالرغم من اجتهاده العظيم فيها، لكنه لم يجعل هذا الجانب العظيم طاغياً على غيره من الواجبات والحقوق، فلم يشق على نفسه ولا على غيره، ولم يبالغ ولم يغلُ في التعبد، جاء في الحديث: (كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُفْطِرُ مِنَ الشَّهْرِ حتَّى نَظُنَّ أنْ لا يَصُومَ منه، ويَصُومُ حتَّى نَظُنَّ أنْ لا يُفْطِرَ منه شيئًا، وكانَ لا تَشَاءُ تَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إلَّا رَأَيْتَهُ، ولَا نَائِمًا إلَّا رَأَيْتَهُ)،[١٢] ولم يحرم ما أحل الله له من المباحات والطيبات، كما فعل بعض أصحابه ذات مرة، ظناً منهم أن ذلك من الاجتهاد في العبادة، فأنكر عليهم ذلك الغلو غير المقبول، وبين لهم منهج الإسلام الصحيح في العبادة، وأنه دين الفطرة السليمة والتوازن والاعتدال في الأمور كلها، فقال لهم: (أَمَا واللَّهِ إنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وأَتْقَاكُمْ له، لَكِنِّي أصُومُ وأُفْطِرُ، وأُصَلِّي وأَرْقُدُ، وأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليسَ مِنِّي)،[١٣] وجاء في حديث آخر: (إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فأعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ).[١٤][١٥]


المراجع

  1. عبدالواحد المسقاد (30/11/2017)، "مظاهر الكمال البشري في شخصية النبي الكريم"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 2/12/2021. بتصرّف.
  2. سورة الحجرات، آية:13
  3. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك ، الصفحة أو الرقم:2310، حديث صحيح.
  4. سورة الأحزاب، آية:21
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم:2337 ، حديث صحيح.
  6. إسلام ويب (4/11/2012)، "بيان جمال النبي صلى الله عليه وسلم"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 3/12/2021. بتصرّف.
  7. خالد سعد النجار، "التوازن النفسي والسلوكي في شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 3/12/2021. بتصرّف.
  8. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:3828، حديث صحيح.
  9. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:2315، حديث صحيح.
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:6786، حديث صحيح.
  11. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:2328، حديث صحيح.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:1972، حديث صحيح.
  13. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:5063 ، حديث صحيح.
  14. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن وهب بن عبدالله السوائي أبو جحيفة ، الصفحة أو الرقم:6139، حديث صحيح.
  15. محمد الصالح، وسطية الإسلام وسماحته، صفحة 12. بتصرّف.