شخصية الرسول

لقد ميّز الله -تعالى- رسوله محمداً -صلى الله عليه وسلم- بصفات وخصائص عظيمة، لم تتوفر بمجموعها في غيره من الناس، وجعله في أعلى مستويات الكمال البشري، من كل الجوانب والنواحي، قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}،[١] فهو النبي الخاتم الذي جاء بالدين الخاتم للناس جميعاً، وهو قدوة المؤمنين وقائدهم ومعلمهم، قال -تعالى-: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}،[٢] فقد كان -صلى الله عليه وسلم- مربياً عظيماً بأخلاقه وأفعاله وصفاته وأحواله قبل أقواله، فكان النموذج الأرقى في التاريخ البشري للقائد الفذ، والمعلم الحكيم، والنبي الكريم، فجمع بين خصال الخير جميعاً، وكان صاحب شخصية متميزة فريدة متوازنة فقد أعطى لكل شيء حقه، وصنع أمة عظيمة كانت من أضعف الأمم وأجهلها، فصارت من أقوى الأمم وأعلمها، بل صارت قائدة الأمم وأفضلها، قال -تعالى-: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}.[٣][٤]


شخصية الرسول كقائد

برزت في شخصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- جوانب قيادية عظيمة أبهرت العالَم، وجعلت أمم الدنيا كلها تهابُ الأمة المسلمة، وتحسب لها ألف حساب، وجعلت المسلمين يحبونه أشدَّ الحب، ويفدونه بأرواحهم، فلقد كان -صلى الله عليه وسلم- قائداً عاماً للمسلمين، يوجههم بتوجيهاته المباشرة، ويرعى شؤونهم في كل نواحي الحياة، ويوجِدُ لهم حلولاً ناجعة لكل المشكلات، ويحبهم ويشعر بهم، وقد استطاع بناء دولةٍ عظيمة، دانت لها أعتى الدول، وخضعت لها أقوى الإمبراطوريات، فهو القائد السياسي الذي يبرع في السياسة، ويعرف كيف يتصرف بشكل جيد، ومن ذلك مراسلته -صلى الله عليه وسلم- للملوك والحُكام، ودعوتهم للإسلام، وهو القائد العسكري الذي يتقن فنون الحرب وأساليبها، ويستطيع الفوز في أصعب المعارك وأشدّها، وهو قبل كل ذلك؛ النبي الرؤوف الرحيم، الذي يُعَلِّم الخير ويحارب الشر، ويزرع الإيمان في القلوب، ويبدأ العمل بنفسه، ليكون قدوةً للجميع.[٥]


صفات الرسول القيادية

هناك صفات قيادية كثيرة للرسول -صلى الله عليه وسلم- ظهرت في ثنايا سيرته، وتجلّت في كثير من مواقفه وتصرفاته، منها:[٦]


الحزم في اتخاذ القرارات المصيرية

حيث كان حازماً في الأمور التي لا تقبل اللين والتهاون، فكان يغضب أشد الغضب إذا انتهكت حرمات الله، ويرفض أي محاولة لثنيه عن قراره، ومن ذلك موقفه الحازم من أخذ الرشوة ومن الشفاعة في الحدود.


التسامح والعفو

فعلى الرغم من حزم النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد كان متسامحاً ورحيماً في كثير من الأحيان، فكان يعفو عن المسيء ويتجاوز عن المخطئ، ويلتمس العذر للجميع، ولا ينتقم لنفسه أبداً، بل وكان يعفو عن أعدائه أيضاً، كما حدث في فتح مكة.


الأخذ بالشورى والاستماع إلى الآراء

فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستشير أصحابه دائماً، ويطلب منهم إبداء الرأي في الأمور الطارئة، والشواهد على ذلك كثيرة، منها مشورته في عدد من الغزوات، كغزوة بدر وأحد والخندق، وغيرها من الأحداث.


توزيع المهام بشكل صحيح

حيث كان يختار الشخص المناسب لكل مهمة، وهذا من أهمّ الصفات التي يجب أن يتمتع بها القائد الناجح، وقد فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك، عندما اختار من الصحابة سفراء ودعاة كمصعب بن عمير ومعاذ بن جبل، ووزاء كأبي بكر وعمر، وقادة جيوش كخالد بن الوليد، وغير ذلك.


تأليف القلوب واستمالتها وجمع الكلمة

فقد كان -صلى الله عليه وسلم- حريصاً على ذلك أشدَّ الحرص، وكان يقضي على كل ما يعكر صفو الوحدة الإسلامية، ويزيل كل أسباب التفرّق والاختلاف، فقد آخى بين المهاجرين والأنصار، وأمر بالمحبة والمودة بين المسلمين، وكان يقول: (لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ).[٧]


ترتيب الألويات

فقد كان -صلى الله عليه وسلم- يبدأ بالأهم فالمهم، ولا يقدّم شيئاً على غيره، ويفعل ذلك بالعدل والحكمة، فكان يمتثل أسلوب القرآن الكريم في التدرّج وتربية النفوس قبل إصدار الأوامر، وتهيأة الظروف قبل تحميل الواجبات، ومن ذلك وصيته لمعاذ بن جبل عندما بعثه إلى اليمن، أن يبدأ بدعوتهم إلى الإسلام وتعليمهم التوحيد وتعريفهم بالخالق الواحد، ثمَّ البدء بإخبارهم عن الفرائض والواجبات أولاً بأول.


المراجع

  1. سورة القلم، آية:4
  2. سورة الأحزاب، آية:21
  3. سورة آل عمران، آية:110
  4. طريق الإسلام (3/6/2014)، "أعظم قدوة صلى الله عليه وسلم"، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 10/6/2021. بتصرّف.
  5. خميس النقيب (20/12/2015)، "الرسول صلى الله عليه وسلم قائدا"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 10/6/2021. بتصرّف.
  6. سلطان الجرادي (24/12/2018)، "الصفات القيادية في الداعية (محمد صلى الله عليه وسلم أنموذجا)"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 10/6/2021. بتصرّف.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:13، حديث صحيح.