تعامل الرسول مع الخدم

كان النبي -صلى الله عليه وسلّم- القدوة الحسنة للمسلمين جميعاً في حُسن التّعامل مع الخدم والعمّال، وليس أدلّ على ذلك ممّا يشهد به أنس بن مالك -رضي الله عنه-؛ حيث يقول: (خَدَمْتُ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- عَشْرَ سِنِينَ، فَما قالَ لِي: أُفٍّ، ولَا: لِمَ صَنَعْتَ؟ ولَا: ألَّا صَنَعْتَ؟).[١]


وقد أوصى النبي الكريم بالخدم والعمّال كثيراً، وشدّد على أهمية التّلطّف في معاملتهم، ونهى عن الانتقاص من كرامتهم وإنسانيتهم، وأكّد على ضرورة حماية حقوقهم وسرعة أداء أجورهم، وهذا المقال يقف على بعض الجوانب التي تدلّل على ذلك.


وصفهم بالإخوة والحث على عدم الانتقاص من شأنهم

أخرج البخاري عن المعرور بن سويد أنّه قال: (لَقِيتُ أبَا ذَرٍّ بالرَّبَذَةِ، وعليه حُلَّةٌ، وعلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْتُهُ عن ذلكَ، فَقالَ: إنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بأُمِّهِ، فَقالَ لي النبيُّ -صلى الله عليه وسلّم-: يا أبَا ذَرٍّ أعَيَّرْتَهُ بأُمِّهِ؟ إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أيْدِيكُمْ، فمَن كانَ أخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ ممَّا يَأْكُلُ، ولْيُلْبِسْهُ ممَّا يَلْبَسُ، ولَا تُكَلِّفُوهُمْ ما يَغْلِبُهُمْ، فإنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فأعِينُوهُمْ).[٢]


وقوله: خولكم: أي خدمكم الذين يصلحون أموركم،[٣] وقد وصفهم بالإخوة تأكيداً على ضرورة التّعامل معهم على هذا الأساس، وهذا يقتضي أنْ لا يُظهر المرء أيّ استعلاء عليهم؛ بل يطعمهم ويكسوهم من مثل ما يأكل ويلبس


وتتجلّى هذه الفكرة في حديث آخر يرعى فيه النبي الكريم مشاعر الخدم ويقدّر فيه جهدهم وكدّهم؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- قال: (إذا صَنَعَ لأَحَدِكُمْ خادِمُهُ طَعامَهُ، ثُمَّ جاءَهُ به، وقدْ ولِيَ حَرَّهُ ودُخانَهُ، فَلْيُقْعِدْهُ معهُ، فَلْيَأْكُلْ، فإنْ كانَ الطَّعامُ مَشْفُوهًا قَلِيلًا، فَلْيَضَعْ في يَدِهِ منه أُكْلَةً أوْ أُكْلَتَيْنِ).[٤]


يقول الإمام النووي -رحمه الله-: "فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالْمُوَاسَاةِ فِي الطَّعَامِ، لَا سِيَّمَا فِي حَقِّ مَنْ صَنَعَهُ أَوْ حَمَلَهُ، لِأَنَّهُ وَلِيَ حَرَّهُ وَدُخَانَهُ، وَتَعَلَّقَتْ بِهِ نَفْسُهُ وَشَمَّ رَائِحَتَهُ، وَهَذَا كُلُّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ".[٥]


مراعاة طاقتهم والحثّ على إعانتهم

ينهى النبي -صلى الله عليه وسلّم- عن تكليف الخدم ما لا يطيقونه من المشاغل والأعمال، فيقول: (... ولَا تُكَلِّفُوهُمْ ما يَغْلِبُهُمْ، فإنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فأعِينُوهُمْ)،[٢] أيّ: إنْ كان لا بدّ من ذلك وجب على المخدوم أنْ يبادر لإعانتهم والتّخفيف عنهم وعدم إلزامهم بما فيه مشقّة غير معتادة.


وترغيباً بالتّخفيف عن الخَدم ذكر النبي الكريم أنّ ذلك سببٌ في نيل الحسنات والأجور العظيمة عند لقاء الله -تعالى-، إذ يقول الحبيب -صلوات الله وسلامه عليه-: (ما خفَّفْتَ عن خادمِك مِن عملِه كان لك أجرًا في موازينِكَ).[٦]


الحثّ على الوفاء بحقوقهم وعدم المماطلة في أدائها

شدّد النبي -صلى الله عليه وسلّم- على إعطاء العمّال أجرتهم بعد فراغهم من أعمالهم دون مماطلة أو تأخير، وفي ذلك حفظاً لحقوقهم، وتقديراً لجهودهم، وجبراً لخواطرهم، ففي الحديث عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنّ النبي الكريم: (أعطُوا الأجيرَ أجرَه قبلَ أنْ يجفَّ عرَقُهُ).[٧]


وتأكيداً على هذا المعنى وتغليظاً على من حرّم الخادم أجره صحّ في الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبي -صلى الله عليه وسلّم- قال: (قالَ اللَّهُ: ثَلاثَةٌ أنا خَصْمُهُمْ يَومَ القِيامَةِ: رَجُلٌ أعْطَى بي ثُمَّ غَدَرَ، ورَجُلٌ باعَ حُرًّا فأكَلَ ثَمَنَهُ، ورَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أجِيرًا فاسْتَوْفَى منه ولم يُعطِه أجرَه).[٨]


النّهي عن ضرب الخدم أو القسوة في معاملتهم

كثيرة هي المواقف التي تشهد على حماية الإسلام لإنسانية الخدم، سواء كان عبداً مملوكاً أو أجيراً ومستخدَمَاً، وفضلاً عمّا سبق ذكره نشير إلى المواقف والأحاديث الآتية:


  • صحّ في الحديث عن عقبة بن عمرو -رضي الله عنه- أنّه قال: (كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لي بالسَّوْطِ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِن خَلْفِي، اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، فَلَمْ أَفْهَمِ الصَّوْتَ مِنَ الغَضَبِ، قالَ: فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إذَا هو رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَإِذَا هو يقولُ: اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، قالَ: فألْقَيْتُ السَّوْطَ مِن يَدِي، فَقالَ: اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، أنَّ اللَّهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ علَى هذا الغُلَامِ، قالَ: فَقُلتُ: لا أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا. [وفي رواية]: فَسَقَطَ مِن يَدِي السَّوْطُ مِن هَيْبَتِهِ).


  • عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- قال: (مَن لَطَمَ مَمْلُوكَهُ، أَوْ ضَرَبَهُ، فَكَفَّارَتُهُ أَنْ يُعْتِقَهُ).[٩]

المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:6038 ، صحيح.
  2. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم:30، صحيح.
  3. إبراهيم الودعان (14/9/2019)، "إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 22/7/2023. بتصرّف.
  4. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1663 ، صحيح.
  5. النووي، شرح النووي على مسلم (الطبعة 2)، صفحة 135، جزء 11.
  6. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عمرو بن حريث، الصفحة أو الرقم:4314 ، أخرجه في صحيحه.
  7. رواه ابن ماجه، في سنن ابن ماجه، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1995، صحيح.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2227 ، صحيح.
  9. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1657 ، صحيح.