شفاعة الرسول يوم القيامة

خصّ الله -سبحانه وتعالى- النبيّ محمد -صلى الله عليه سلم- بعدد من الشفاعات يوم القيامة لأصناف عديدة من الناس؛ وقد بيّن أهل العلم هذه الشفاعات، واستدلوا عليها بالأدلة الصحيحة، وفيما يأتي بيان ذلك:


الشفاعة العظمى

وهذه الشفاعة هي المقام المحمود الذي قال فيه -سبحانه-: (... عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا)،[١] وهي التي تكون لأهل الموقف يوم القيامة؛ حين يقف الناس في المحشر منتظرين بدء الحساب، وقد دنت الشمس منهم، وذاقوا من الحرّ والغمّ والكرب ما ذاقوا، فيبدأ الناس باللجوء إلى الأنبياء -عليهم السلام- يطلبون منهم أن يستأذنوا من الله -سبحانه-، ويشفعوا لهم ببدء الحساب، ولكنّ كل واحد من الأنبياء يُحيل الناس إلى نبيّ آخر غيره؛ رهبةً من هول هذا اليوم العظيم.[٢]


حتى يصلوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ويطلبوا منه الشفاعة، فينطلق النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ربه -سبحانه-، ويخرّ ساجداً بين يديه، ثم يُثني على الله -سبحانه- بالمحامد الجليلة، فيقول له -سبحانه-: (يا رَبِّ، أُمَّتي أُمَّتِي)، فيقول له ربنا -سبحانه-: (انْطَلِقْ فأخْرِجْ منها مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقَالُ شَعِيرَةٍ مِن إيمَانٍ)، فينطلق النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم يعود فيحمد الله -سبحانه- بتلك المحامد، فيُقال له: (يا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، وقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وسَلْ تُعْطَ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ، فأقُولُ: يا رَبِّ، أُمَّتي أُمَّتِي، فيَقولُ: انْطَلِقْ فأخْرِجْ منها مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ - أوْ خَرْدَلَةٍ - مِن إيمَانٍ فأخْرِجْهُ).[٣][٢]


وينطلق النبي -صلى الله عليه وسلم- ليُخرجهم، ثم يعود ساجداً حامداً، فيقول له -سبحانه-: (يا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، وقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وسَلْ تُعْطَ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ، فأقُولُ: يا رَبِّ أُمَّتي أُمَّتِي، فيَقولُ: انْطَلِقْ فأخْرِجْ مَن كانَ في قَلْبِهِ أدْنَى أدْنَى أدْنَى مِثْقَالِ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِن إيمَانٍ، فأخْرِجْهُ مِنَ النَّارِ)، حتى يعود النبي -صلى الله عليه وسلم- في الرابعة، ويسجد بين يديّ الله -سبحانه-، ويحمده ويُثني عليه؛ فيقول له -سبحانه-: (يا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، وقُلْ يُسْمَعْ، وسَلْ تُعْطَهْ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ، فأقُولُ: يا رَبِّ ائْذَنْ لي فِيمَن قالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فيَقولُ: وعِزَّتي وجَلَالِي، وكِبْرِيَائِي وعَظَمَتي لَأُخْرِجَنَّ منها مَن قالَ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ).[٣][٢]


الشفاعة بالإذن لأهل الجنة دخولها

تكون الشّفاعة بالإذن لأهل الإيمان دخول الجنة بعد انتهائهم من الحساب؛ إذ إنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- يقف على باب الجنة، ويستفتح لهم الأبواب؛ ويُعرّف الملائكة وخازن الجنة بنفسه -صلى الله عليه وسلم-، فيُقال له: (بكَ أُمِرْتُ لا أفْتَحُ لأَحَدٍ قَبْلَكَ).[٤][٥]


الشفاعة لأبي طالب

يشفع النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمّه أبي طالب عند الله -تعالى-؛ ليُخفف عنه العذاب يوم القيامة؛ جزاء مواقفه في مساندة النبي -صلى الله عليه وسلم- في دعوته، فيُشفّع الله -تعالى- نبيّه، ويجعل عذاب أبي طالب في ضحضاح من النار، أي: في موضعٍ قريب من قَعْرِها خَفِيف العَذاب، ولولا النبي -صلى الله عليه وسلم- لكان في الدرك الأسفل من النار، وقد ثبت ذلك في الصحيح، وأخرجه البخاري عن العباس -رضي الله عنه-.[٦]


الشفاعة لمن استحق النار

وتكون هذه الشفاعة لمن استحق النار بأن لا يدخلها، ولمن دخلها أن يخرج منها؛ وهذه الشفاعة يشترك فيها الأنبياء والصالحون والشهداء مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولكنّهم لا يشفون إلا بإذن الله -سبحانه-، ولمن ارتضى له الله -سبحانه- الشفاعة من المسلمين وأهل التوحيد.[٧]


الشفاعة لقوم تساوت حسناتهم مع سيئاتهم

إذ إنّ هؤلاء الناس تساوت حسناتهم مع سيئاتهم، ولم تغلب منها على الأخرى؛ فيشفع لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- ليدخلوا الجنة، وكأنّ حسناتهم هي الراجحة، وقد قال بعض أهل العلم أنّ هذه الشفاعة تختص بالنبي -صلى الله عليه وسلم- دون غيره، وقال بعضهم بل يشترك فيها الأنبياء والصالحون والشهداء ونحوهم؛ إذ لا دليل يُثبت خصوصيتها للنبي -صلى الله عليه وسلم-.[٨]


الشفاعة لرفع درجات أهل الجنة

بيّن أهل العلم أنّ هذه الشفاعة تكون لقوم من أهل الجنة، بأن يرفعهم الله -سبحانه- درجةً أعلى من الدرجة التي يستحقونها؛ فهم لم يبلغوها بسبب أعمالهم، إنّما برحمة الله -سبحانه-، ومن ثمّ بشفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذه الشفاعة أيضاً تعددت فيها الآراء؛ إن كانت خاصة بالنبي -صلى الله عليه وسلم- أم لا، فرجحّ بعض أهل العلم أنّها غير خاصة بالنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ إنّ الله -تعالى- قَبِلَ شفاعة غير النبي من الصالحين والمؤمنين، والأنبياء والمرسلين في إخراج بعض أهل النار من النار، فالأولى أن تكون شفاعتهم أيضاً لهذا الصنف من أهل الجنة.[٨]


الشفعاء غير النبي يوم القيامة

يأذن الله -سبحانه- بالشفاعة يوم القيامة لغير النبي -صلى الله عليه وسلم- كما أشرنا سابقاً، من الأنبياء والرسل، والملائكة والصحابة، والشهداء والصديقين والأولياء على اختلاف مراتبهم ومقاماتهم، فيقبل الله -سبحانه- شفاعتهم بقدر جاههم ورجائهم، وصالح أعمالهم؛ وقد تتابعتْ الآثار والأدلة في ذلك، ومنها:[٩]

  • قوله -تعالى- في شفاعة الملائكة: (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى).[١٠]
  • ما ثبت في الحديث النبويّ في شفاعة الأنبياء، والملائكة، والمؤمنين: (... فيَقولُ اللَّهُ -عزَّ وجلَّ-: شَفَعَتِ المَلائِكَةُ، وشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وشَفَعَ المُؤْمِنُونَ...).[١١]
  • ما صحّ في الحديث النبويّ في شفاعة الشهيد: (... ويُشفَّعُ في سبعينَ مِن أقاربِه).[١٢]
  • ما ثبت في الحديث النبويّ عن شفاعة الأبناء الصغار لآبائهم بدخول الجنة: (صِغَارُهُمْ دَعَامِيصُ -دويبة تكون في الماء لا تفارقه- الجَنَّةِ، يَتَلَقَّى أَحَدُهُمْ أَبَاهُ -أَوْ قالَ: أَبَوَيْهِ- فَيَأْخُذُ بثَوْبِهِ -أَوْ قالَ: بيَدِهِ- كما آخُذُ أَنَا بصَنِفَةِ ثَوْبِكَ هذا، فلا يَتَنَاهَى حتَّى يُدْخِلَهُ اللَّهُ وَأَبَاهُ الجَنَّةَ).[١٣]

المراجع

  1. سورة الإسراء، آية:79
  2. ^ أ ب ت ابن جبرين، شرح عمدة الأحكام، صفحة 13، جزء 6. بتصرّف.
  3. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:7510، صحيح.
  4. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:197، صحيح.
  5. مجموعة من المؤلفين، موسوعة محاسن الإسلام ورد شبهات اللئام، صفحة 318، جزء 5. بتصرّف.
  6. يوسف الغفيص، شرح العقيدة الطحاوية، صفحة 4، جزء 11. بتصرّف.
  7. يوسف الغفيص، شرح الواسطية، صفحة 5، جزء 17. بتصرّف.
  8. ^ أ ب سفر الحوالي، شرح العقيدة الطحاوية، صفحة 1929. بتصرّف.
  9. مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 149-154، جزء 64. بتصرّف.
  10. سورة النجم، آية:26
  11. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:183، صحيح.
  12. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن المقدام بن معدي كرب، الصفحة أو الرقم:1663، صححه الألباني.
  13. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2635، صحيح.