ذُكِرتْ شفاعة الرَّسول صلى الله عليه وسلم وصفاتها في الأحاديث الصحيحة عن الرسول، فلرسولنا صلى الله عليه وسلم شفاعاتٌ مختلفةٌ، فله شفاعةٌ في دخول أهل الجنة الجنَّة، وكانت له شفاعةٌ في تخفيف العذاب عن عمه أبي طالب، وله شفاعةٌ يختصُّ بها كالشَّفاعة العظمى؛ وإن شفاعته العظمى صلى الله عليه وسلم من أجل فصلِ القضاء، فيسجدُ الرَّسول صلى الله عليه وسلم لله تعالى، ويُثني عليه سبحانه بأنواعٍ من الحمد والثَّناء، فيقال له: "يا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وسَلْ تُعْطَ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ".[١]
شروط شفاعة النبي
قال الله تعالى: "وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى"،[٢] يمكننا أن نرى بعد تأمل هذه الآية أنها أوجزت شروط الشفاعة وحصرتها في أمرين، وفيما يأتي توضيح لهما:[٣]
1. أن يأذنَ الله للشَّافع أن يشفع
فلا تكونُ الشَّفاعة إلَّا بإذن الله عز وجل للشَّافع بأن يشفعَ للمشفوع فيه، لقوله تعالى أيضًا: "وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ".[٤]
2. أن يرضى الله عن المشفوع له
أي لا بدَّ من أن يرضى الله عز وجل عن المشفوع بأن يشفّع فيه، لقوله تعالى أيضًا: "وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى".[٥]
ومن الجدير ذكره في هذا السياق أن أعظم الأسباب التي توجب الشَّفاعة هي تحقيق التَّوحيد، لقوله عليه الصلاة والسلام في حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه: "أسْعدُ الناسِ بِشفاعَتِي يومَ القِيامةِ مَنْ قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ خالِصًا مُخلِصًا من قلْبِهِ"،[٦] وقال عليه الصلاة والسلام: "شفاعتي لأهلِ الكبائرِ من أمَّتي"،[٧] وفي ذلك دلالةٌ على أن شفاعة الرَّسول تنفع العصاة؛ ولكنَّها لا تنفع تارك الصلاة تركًا كلّيًّا؛ لأنه يعد غير مسلم فلا تمسُّه شفاعة الشَّافعين.
أنواع الشفاعة
للشَّفاعة نوعان بحسبِ إقرارها ونفيها، وفيما يأتي توضيح لهما:[٨]
1. شفاعةٌ مثبتةٌ
وهي الشَّفاعة التي ذُكرت في كتاب الله تعالى، والتي اشترطت بأمرين؛ رضى الله عن المشفوع له، وإذنه للشَّافع بالشفاعة، ودون هذين الأمرين لا توجد شفاعة، كما في قوله تعالى: "مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ".[٩]
2. شفاعةٌ منفيةٌ
وهي الشَّفاعة التي ذكر الله تعالى بطلانها في كتابه وهي الشفاعة للمشركين والكافرين، كما في قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ".[١٠]
أقسام الشَّفاعة
تُقسم الشَّفاعة باعتبار ذاتها إلى قسمين:[١١]
1. الشفاعة الحسنة
وهي كلُّ شفاعة رضيها الشَّرع، وكانت محمودةً سواء أكانت في أمر الدِّين أو الدُّنيا، كما في قوله تعالى: "مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا"،[١٢] ومن هذه الشِّفاعة الإعانة على البر والتَّقوى، كالشَّفاعة لشخصٍ ما عند مسؤول معيَّن بغرض جلب المنفعة.
2. الشَّفاعة السَّيئة
وهي كلُّ شفاعة ذمَّها الشَّرع ولم يرضها، سواء أكانت في أمور الدين أم الدُّنيا، كما في قوله تعالى: "وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا"،[١٣] ومن الشَّفاعات السَّيئة الشفاعة التي يكون فيها تضييع لحقوق النَّاس، أو الشَّفاعة في حدٍّ من حدود الله.
المراجع
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:193، صحيح.
- ↑ سورة النجم ، آية:26
- ↑ "صفة شفاعة النبي ونفعها للعصاة "، طريق الإسلام ، 18/11/2011، اطّلع عليه بتاريخ 9/9/2021.
- ↑ سورة سبأ، آية:23
- ↑ سورة الأنبياء ، آية:28
- ↑ رواه الألباني ، في صحيح الجامع، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم:967، صحيح .
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:4875، صحيح .
- ↑ صلاح نجيب الدق (1/7/2020)، "الشفاعة: معناها وأنواعها وأسباب نيلها "، الألوكة الشرعية ، اطّلع عليه بتاريخ 9/9/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة ، آية:255
- ↑ سورة البقرة ، آية:254
- ↑ "الشفاعة وأقسامها "، إسلام ويب ، 8/9/2013، اطّلع عليه بتاريخ 9/9/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء ، آية:85
- ↑ سورة النساء ، آية:85