أهمية البحث في شخصية الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-
حظيت شخصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- باهتمام لا مثيل له في التاريخ البشري، فقد كُتب حولها الكثير من الكتب والأبحاث التي لا تكاد تُحصر، وقد اعتنت الأمة الإسلامية عناية فائقة بدراسة شخصيته -صلى الله عليه وسلم-، ومعرفة حياته بكل تفاصيلها، ويرجع ذلك الاهتمام الفريد؛ إلى طبيعة شخصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- المثالية، التي جمعت بين كل صفات الكمال الخَلْقي والخُلُقي، فكانت مثلاً أعلى وقدوة عملية لكل مسلم، وإلى طبيعة حياته الواقعية المليئة بالدروس والعبر والفوائد، فليس هناك سيرة يمكن أن يستفيد منها الإنسان أعظم من سيرته، وليس هناك شخصية يمكن أن يقتدي بها أعظم من شخصيته، قال -تعالى-: {لَقَد كانَ لَكُم في رَسولِ اللَّهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كانَ يَرجُو اللَّهَ وَاليَومَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثيرًا}،[١] ولذلك اهتم الصحابة -رضي الله عنهم- بكل أقواله وأفعاله، وحفظوها عن ظهر قلب، ونقلوها لمن بعدهم، حتى وصلت إلينا بكل دقة.[٢]
كيف كانت شخصية الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-؟
- كانت شخصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- شخصية إنسانية مؤثِّرةً ومُلهِمة، فهو بشرٌ كغيره من البشر، لكن الله -تعالى- ميَّزَه عن غيره بأن جعل فيه أعلى صفات الكمال البشري، ومنحه أفضل الصفات والخصال، واختاره من بين الناس ليكون الرسول الخاتم، -قال تعالى-: {قُل إِنَّما أَنا بَشَرٌ مِثلُكُم يوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُم إِلهٌ واحِدٌ}،[٣] فكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- في شخصيته قدوةً لكل الناس، على اختلاف أصنافهم، قدوةً للرجل والمرأة، والصغير والكبير، والغني والفقير، والضعيف والقوي، والأب والابن، والمعلم والقائد، والحاكم، والقاضي، والتاجر، والعامل، وغير ذلك، وكان نموذجاً عملياً للإسلام، بشموله واتساعه، قريباً من واقع الناس، ومُطبقاً لأحكام الدين على أكمل وجه، بتوازن وعدل وإنصاف.[٤]
- ولا يستطيع أحد أن يدعي بأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- مختلف في طبيعته عن البشر، فقد جرى عليه ما يجري على الناس، من قوانين الكون وسنن الحياة، فكان يأكل كما يأكلون، ويمشي في الطرقات كما يمشون، ويبيع ويشتري في الأسواق، حتى أن الكفار أنكروا عليه طبيعته البشرية، قال -تعالى-: {وَقالوا مالِ هذَا الرَّسولِ يَأكُلُ الطَّعامَ وَيَمشي فِي الأَسواقِ لَولا أُنزِلَ إِلَيهِ مَلَكٌ فَيَكونَ مَعَهُ نَذيرًا}،[٥] وقد كانت حياته -صلى الله عليه وسلم- مليئة بالمتاعب والصعاب، فقد ولد ونشأ يتيماً، وعمل في أشق الأعمال، وتعرض للتضييق والمطاردة، والأذى والأخطار، وقاسى أنواع الشدائد والابتلاءات، لكنه ظل صابراً محتسباً، مؤمناً بالله -تعالى-، واثقاً به، ثابتاً على دينه، ماضياً في دعوته، موقناً بنصره، زاهداً في الدنيا، طامعاً بجنته ورضوانه.[٦]
جوانب من شخصية الرسول -صلى الله عليه وسلم-
نسبه -صلى الله عليه وسلم-
كان -صلى الله عليه وسلم- شريف النسب في قومه، بل هو أشرف الناس نسباً حتى يوم القيامة، فقد اختاره الله -تعالى- اختياراً دقيقاً، وفضله على خلقه جميعاً، وكذلك هي سنة الله -تعالى- في أنبيائه ورسله، أن يختارهم من أشرف خلقه وأرفعهم نسباً، وكان لهذا النسب الشريف دور في بناء شخصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتنشئته في بيئة عائلية فاضلة، تتمتع بمنزلة اجتماعية مرموقة، وتمتاز بسيرة طيبة، وتهتم بحُسن القول والعمل، قال -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنانَةَ مِن ولَدِ إسْماعِيلَ، واصْطَفَى قُرَيْشًا مِن كِنانَةَ، واصْطَفَى مِن قُرَيْشٍ بَنِي هاشِمٍ، واصْطَفانِي مِن بَنِي هاشِمٍ).[٧][٨]
أخلاقه -صلى الله عليه وسلم-
لقد اجتمعت في الرسول -صلى الله عليه وسلم- كل الفضائل والمكارم والأخلاق الحسنة، التي لم تجتمع في أحد من قبله ولا من بعده، وقد مدحه الله -تعالى- على هذه الخصلة العظيمة، فقال: {وإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}،[٩] فقد عاش الرسول -صلى الله عليه وسلم- منذ نشأته وحتى وفاته متحلياً بمكارم الأخلاق، ومحاسن الصفات، مبتعداً عن كل خلُق ذميم، فكان أحسن الناس خُلُقاً، وأصدقهم حديثاً، وأكثرهم أمانةً، وأشدهم حياءً، وأشجعهم، وأفصحهم، وأعلمهم، وأحلمهم، وأرحمهم، حتى أن فضائله لا تكاد تحصى من كثرتها وتنوعها، وقد شهد له بها الأعداء قبل الأصدقاء،[١٠] وحسبنا من وصف خلقه العظيم ما جاء في الحديث عن أنس بن مالك -رضي الله عنه قال: (خدمتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عشرَ سنينَ، فما قال لي أُفٍّ قطُّ، وما قال لي لشيٍء صنعتُه: لِمَ صنعتَه، ولا لشيٍء تركتُه: لِمَ تركتَه، وكان رسولُ اللهِ من أحسنِ الناسِ خُلُقًا).[١١]
كرمه وجوده -صلى الله عليه وسلم-
لقد عرف التاريخ الكثير من الكرماء الذين ضُربت بهم الأمثال، لكن كل هؤلاء لم يصلوا إلى مرتبة كرم الرسول -صلى الله عليه وسلم- وجوده، فقد كان -صلى الله عليه وسلم- أكرم الكرماء في تاريخ البشر، وأجود الناس على الإطلاق،[١٢] جاء في الحديث: (ما سُئِلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ علَى الإسْلَامِ شيئًا إلَّا أَعْطَاهُ، قالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ فأعْطَاهُ غَنَمًا بيْنَ جَبَلَيْنِ، فَرَجَعَ إلى قَوْمِهِ، فَقالَ: يا قَوْمِ أَسْلِمُوا، فإنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لا يَخْشَى الفَاقَةَ)،[١٣] ومن شدة كرمه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان لا يرُدُّ سائلاً أبداً، فأيُّ كرَمٍ بعد هذا الكرم؟، جاء في الحديث: (ما سُئِلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ شيئًا قَطُّ فَقالَ لَا).[١٤][١٥]
المراجع
- ↑ سورة الأحزاب، آية:21
- ↑ عبد الشافي محمد عبد اللطيف، أوائل المؤلفين في السيرة النبوية، صفحة 13. بتصرّف.
- ↑ سورة الكهف، آية:110
- ↑ محمد بن صامل السلمي، صحيح الأثر وجميل العبر من سيرة خير البشر صلى الله عليه وسلم، صفحة 43. بتصرّف.
- ↑ سورة الفرقان، آية:7
- ↑ صالح المغامسي، الأيام النضرة في السيرة العطرة، صفحة 14. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن واثلة بن الأسقع الليثي أبو فسيلة، الصفحة أو الرقم:2276، حديث صحيح.
- ↑ صالح بن طه عبد الواحد، سبل السلام من صحيح سيرة خير الانام عليه الصلاة والسلام، صفحة 21. بتصرّف.
- ↑ سورة القلم، آية:4
- ↑ عبد المحسن العباد، من أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، صفحة 40. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في مختصر الشمائل، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:296، حديث صحيح.
- ↑ أحمد بن عبد الفتاح زواوي، شمائل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، صفحة 355. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:2312 ، حديث صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:2311، حديث صحيح.
- ↑ منقذ السقار، دلائل النبوة، صفحة 130. بتصرّف.