مظاهر الرحمة في حياة الرسول
تجلّت مظاهر الرّحمة في حياة النّبي -صلى الله عليه وسلم- في شتّى جوانبها، ونال بركاتها النّاس جميعاً؛ بل تعدّتها من البشر إلى الحيوانات والنباتات، وصدق الله -تعالى- إذ يقول: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ).[١][٢]
رحمته بالمدعُوّين
المواقف التي تشهد للنبي الكريم بالرّحمة بالمدّعوّين أكثر من أنْ تُحصى، وقد تجلّت في مواقف كثيرة من عُمر الرسالة، ولعلّ أبرزها ما كان من ردّ النبي -صلى الله عليه وسلم على تخيير الله -عزّ وجلّ- له باستعجال العذاب لمنْ كذّب رسالته وآذاه في دينه ودعوته.
وها هو الحبيب المصطفى يخبر عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- بذلك؛ فيقول: (...؛ فانْطَلَقْتُ وأنا مَهْمُومٌ علَى وجْهِي، فَلَمْ أسْتَفِقْ إلَّا وأنا بقَرْنِ الثَّعالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فإذا أنا بسَحابَةٍ قدْ أظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فإذا فيها جِبْرِيلُ، فَنادانِي فقالَ: إنَّ اللَّهَ قدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وما رَدُّوا عَلَيْكَ، وقدْ بَعَثَ إلَيْكَ مَلَكَ الجِبالِ لِتَأْمُرَهُ بما شِئْتَ فيهم، فَنادانِي مَلَكُ الجِبالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّدُ، فقالَ ذلكَ فِيما شِئْتَ، إنْ شِئْتَ أنْ أُطْبِقَ عليهمُ الأخْشَبَيْنِ).[٣][٤]
ويكون ردّ النبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- موافقاً لما أراده الله -تعالى- له من تغليب الرّحمة على استعجال العذاب والانتقام من المعاندين؛ فيقول: (بَلْ أرْجُو أنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أصْلابِهِمْ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ وحْدَهُ لا يُشْرِكُ به شيئًا).[٣]
رحمة النبي الكريم بالحيوانات
ثبت في السيرة النبوية مشاهد كثيرة تؤكّد رحمة النبي الكريم وإشفاقه على الحيوانات والطيور وغيرها، ومن ذلك:
إشفاقه على جمل جاء يشكو صاحبه
جاء في قصة الجمل أنّ النبي -صلى الله عليه وسلّم- دخل حائط رجلٍ من الأنصار؛ فإذا بجملٍ حنّ لرؤية النبي الكريم وذرفت دموعه؛ يقول عبد الله بن جعفر -رضي الله عنهما-: (... فأَتاهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فمَسَحَ ذِفْرَيهِ؛ فسَكَنَ، فقالَ: مَنْ رَبُّ هذا الجملِ؟ لمَنْ هذا الجملُ؟ قالَ: فجاءَ فتًى مِنَ الأنصارِ، فقالَ: هو لي يا رسولَ اللهِ، فقالَ: ألا تتَّقي اللهَ في هذه البهيمةِ الَّتي ملَّكَكَ اللهُ إيَّاها؛ فإنَّه شَكا إليَّ أنَّكَ تُجيعُه وتُدئِبُه).[٥]
إشفاقه على الطيور
عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: (كنا مع رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- في سفرٍ فانطلق لحاجته، فرأينا حمَّرةً معها فرخان، فأخذْنا فرخَيها فجاءت الحُمَّرةُ، فجعلت تفرشُ فجاء النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فقال من فجع هذه بولدِها؟ رُدُّوا ولدَها إليها).[٦]
تحريم حرق بيوت النّمل
امتداداً للرّواية السابقة يستكمل عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- موقفاً آخر من مواقف رحمة النبي -صلى الله عليه وسلّم- بالمخلوقات؛ فيقول: (رأى قريةَ نملٍ قد حرقناها، فقال: من حرقَ هذه؟ قلنا: نحن، قال: إنه لا ينبغي أن يعذِّبَ بالنارِ إلا ربُّ النارِ).[٦]
رحمة النبي الكريم بالشجر
ثبت في الصحيح أنَّ الصحابة الكرام شاوروا النبي -عليه الصلاة والسّلام- على بناء منبر له يقوم عليه في خطبة الجمعة؛ فوافقهم على ذلك، وقد كان النبي الكريم قبل ذلك يتّكئ على نخلة، يقول جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-: (...؛ فَلَمَّا كانَ يَومَ الجُمُعَةِ دُفِعَ إلى المِنْبَرِ، فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ صِيَاحَ الصَّبِيِّ، ثُمَّ نَزَلَ النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فَضَمَّهُ إلَيْهِ، تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الذي يُسَكَّنُ).[٧]
وتبقى المشاهد السّابقة غيضٌ من فيض المواقف والأحداث الكثيرة التي تشهد على رحمة النبي -صلى الله عليه وسلّم-، حيث ظهرت رحمته بأصحابه الكرام وبأهل بيته وبالأطفال في مشاهد كثيرة ومواقف متنوّعة يصعب حصرها في مقال.
والأمل أنْ تشكّل هذه النّماذج الخُلُقية النبوية المباركة منهج حياة في سلوك المسلمين في تعاملهم مع النّاس والمخلوقات مِنْ حولهم، وصدق الله إذ يقول: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا).[٨]
المراجع
- ↑ سورة الأنبياء، آية:107
- ↑ فريق الموقع (10/4/2008)، "رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالخلق"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 8/7/2023. بتصرّف.
- ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:3231 ، صحيح.
- ↑ فريق الموقع، "نبي الرحمة"، إسلام أون لاين، اطّلع عليه بتاريخ 8/7/2023. بتصرّف.
- ↑ رواه الحاكم، في المستدرك على الصحيحين، عن عبد الله بن جابر، الصفحة أو الرقم:2520 ، صحيح الإسناد.
- ^ أ ب رواه أبو داود، في سنن ابي داود، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:5268، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:3584 ، صحيح.
- ↑ سورة الأحزاب، آية:21