شخصية الرسول
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتمتع بشخصية فذة وفريدة، فهو الرسول والمعلم، والأب والزوج، والقائد والقدوة، قال -تعالى-: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}،[١] وقد كانَ أحسنَ الناس خَلْقَاً وخُلُقاً، فهو الصادق الأمين كما لقبه قومه، وقد وصفت خديجةُ أخلاقَه بقولها: (واللَّهِ ما يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا، إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوائِبِ الحَقِّ)،[٢] وقد وصفه الله -تعالى- في القرآن بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}،[٣] وهو رحمةٌ للعالمين، رؤوفٌ بالمؤمنين، وقد كان -صلى الله عليه وسلم- يتعامل مع جميع الناس بأخلاقه العظيمة وصفاته الحميدة، وكان يدعو إلى حسن الخلق والتجمل بالخصال الصالحة، وكان من دعائه: (وَاهْدِنِي لأَحْسَنِ الأخْلَاقِ لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ)،[٤] وكان يحثُّ أصحابه على حُسن الخلق وحُسن التعامل مع الناس، قال -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسِنُكم أخلاقًا).[٥][٦]
شخصية الرسول مع الشباب
إنَّ مرحلة الشباب من أهم المراحل العمرية التي يمرُّ بها الإنسان، وتتميز هذه المرحلة بالقوة والحماس والنشاط، وتفجر الطاقة والموهبة، وتوهج الشهوة وقلة العلم والوعي، وتحتاج إلى رعاية خاصة وتربية وتوجيه وتحمُّل للمسؤولية، وقد كان كثيرٌ من صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- من فئة الشباب، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحرص على الاهتمام والعناية بهم بشكل خاص، ويقوم بتربيتهم وتوجيههم نحو الخير والبناء والعمل الصالح، وقد كان قدوةً لهم في ذلك، فكانوا يتعلمون من حاله وفعله كما يتعلمون من نطقه وقوله، وكان -صلى الله عليه وسلم- يخاف على الشباب من الوقوع في الآثام والمعاصي، فيقوم بتربيتهم وتقوية الإيمان في قلوبهم، وتنبيههم وتحذيرهم من كل شر، ومعالجة أخطائهم بحكمة وعطف، وإيجاد الحلول لمشكلاتهم، ومتابعة شؤونهم بشكل دائم، وفي سيرته -صلى الله عليه وسلم- شواهد كثيرة على ذلك.[٧]
كيف تعامل الرسول مع الشباب؟
وردت في السيرة النبوية مواقف وطرق ونماذج متعددة وكثيرة لتعامل الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع الشباب، نذكر منها:[٨]
- التقرب من الشباب والتواضع والتوجيه المباشر لهم، كما في قصة ابن عباس حين كان شاباً صغيراً فأركبه النبي -صلى الله عليه وسلم- خلفه على دابته، وعلَّمَه كلمات عظيمة، قال ابن عباس: (كنتُ خلفَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومًا قال يا غلامُ، إني أعلِّمُك كلماتٍ: احفَظِ اللهَ يحفَظْك، احفَظِ اللهَ تجِدْه تُجاهَك، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ، وإذا استعنْتَ فاستعِنْ باللهِ، واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك، وإنِ اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك، رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفَ).[٩]
- التودد وتحفيز العاطفة ومشاركة المشاعر الإيجابية وتقديم النصح، كما في حديث معاذ بن جبل: (يا معاذُ! واللهِ إني لَأُحِبُّكَ، أُوصِيكَ يا معاذَ لا تَدَعَنَّ في دُبُرِ كلِّ صلاةٍ أن تقولَ: اللهم أَعِنِّي على ذِكْرِكَ، وشُكْرِكَ، وحُسْنِ عبادتِكَ).[١٠]
- إظهار الاهتمام بشؤون الشباب الشخصية ومراعاة حاجاتهم النفسية، وإزالة الحواجز وبناء العلاقات معهم، جاء في الحديث: (أَتَيْنَا رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فأقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ رَحِيمًا رَقِيقًا، فَظَنَّ أنَّا قَدِ اشْتَقْنَا أَهْلَنَا، فَسَأَلَنَا عن مَن تَرَكْنَا مِن أَهْلِنَا، فأخْبَرْنَاهُ، فَقالَ: ارْجِعُوا إلى أَهْلِيكُمْ، فأقِيمُوا فيهم وَعَلِّمُوهُمْ، وَمُرُوهُمْ فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ).[١١]
- تقدير مواهب الشباب وإعطائهم الفرصة لإثبات قدراتهم والثقة بهم، كما في أمر زيد بن ثابت حين عَلِم الرسول -صلى الله عليه وسلم- قدرته على تعلم اللغات، فأسند إليه مهمة الترجمة، قال زيد: (أمرني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أنْ أتعلَّمَ له كتابَ يهودٍ قال إني واللهِ ما آمن يهودَ على كتابي، قال: فما مر بي نصفُ شهرٍ حتى تعلمتُه له، قال: فلما تعلمتُه كان إذا كتَبَ إلى يهودَ كتَبْتُ إليهم، وإذا كتَبوا إليه قرأْتُ له كتابَهم).[١٢]
المراجع
- ↑ سورة الأحزاب، آية:21
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:3، حديث صحيح.
- ↑ سورة القلم، آية:4
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج صحيح ابن حبان، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم:1772 ، حديث إسناده صحيح على شرط مسلم.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم:2897، حديث صحيح لغيره.
- ↑ طريق الإسلام (25/4/2014)، "الرسول قدوتنا في الأخلاق"، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 7/6/2021. بتصرّف.
- ↑ عبدالحميد طايل (23/5/2016)، "عناية النبي صلى الله عليه وسلم بالشباب وسبل الاستفادة منهم في الواقع المعاصر"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 7/6/2021. بتصرّف.
- ↑ ياسر عبد التواب (19/9/2011)، "هدي الرسول في التعامل مع الشباب"، قصة الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 7/6/2021. بتصرّف.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:2516، حديث صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن معاذ بن جبل، الصفحة أو الرقم:7969، حديث صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن مالك بن الحويرث، الصفحة أو الرقم:674، حديث صحيح.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن زيد بن ثابت، الصفحة أو الرقم:2715، حديث حسن صحيح.