وصايا الرسول للشباب

تعدّدت وصايا النبي -صلى الله عليه وسلّم- للشباب وتنوّعتْ حسب الموقف التي دعتْ له الحاجة للوصيّة، وهذا المقال يتناول جملة من الوصايا النبوية للشباب.


وصيّة الرسول للشباب بالزّواج

صحّ في الحديث عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنّه قال: (كُنَّا مع النبيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- شَبَابًا لا نَجِدُ شيئًا، فَقالَ لَنَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فإنَّه أغَضُّ لِلْبَصَرِ وأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، ومَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَعليه بالصَّوْمِ، فإنَّه له وِجَاءٌ).[١]


وهذه الوصية المباركة تأتي في سياق الحفاظ على قيم المجتمع من خلال الدعوة إلى تحصين فئة الشباب بالزواج الذي يصون أعراضهم ويحمي أخلاقهم، والزّواج الشّرعي صدّ عن الفتنة ومانع من الانسياق وراء نزوات النّفس وشهواتها.[٢]


موقف النبي الكريم مع شاب طلب الإذن بالزّنا

عن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- قال: (إنَّ فَتًى شابًّا أتى النَّبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فقال: يا رسولَ اللهِ، ائْذَنْ لي بالزِّنا، فأقبَلَ القَومُ عليه فزَجَروه وقالوا: مَهْ، مَهْ! فقال: ادْنُهْ، فدَنا منه قَريبًا، قال: فجَلَسَ).[٣]


ويصف راوي الحديث -رضي الله عنه- مشهد حوار النبي الكريم لذاك الشاب؛ فيقول: (قال: أتُحِبُّه لأُمِّكَ؟ قال: لا واللهِ، جَعَلَني اللهُ فِداءَكَ، قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونَه لأُمَّهاتِهم، قال: أفتُحِبُّه لابنتِكَ؟ قال: لا واللهِ، يا رسولَ اللهِ، جَعَلَني اللهُ فِداءَكَ، قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونَه لبَناتِهم، قال: أفتُحِبُّه لأُختِكَ؟ قال: لا واللهِ، جَعَلَني اللهُ فِداءَكَ، قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونَه لأَخَواتِهم، قال: أفتُحِبُّه لعَمَّتِكَ؟ قال: لا واللهِ، جَعَلَني اللهُ فِداءَكَ، قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونَه لعَمَّاتِهم، قال: أفتُحِبُّه لخالتِكَ؟ قال: لا واللهِ، جَعَلَني اللهُ فِداءَكَ، قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونَه لخالاتِهم).[٣]


يقول الرّاوي: (فوَضَعَ يدَه عليه وقال: اللَّهُمَّ اغفِرْ ذَنبَه، وطَهِّرْ قَلبَه، وحَصِّنْ فَرْجَه، قال: فلمْ يَكُنْ بعدَ ذلك الفَتى يَلتفِتُ إلى شيءٍ).[٣]


وهذا الموقف يعدّ واحداً من أبرز المظاهر على حكمة ورحمة النبي -صلى الله عليه وسلّم- بفئة الشباب، وفيه إشارة إلى ضرورة تفهّم حاجاتهم وعلاج مشاكلهم بالحسنى والكلمة الطيبة والإقناع.


وصية النبي الكريم لابن عباس -رضي الله عنه-

يذكر عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنّه كان رفيق النبي -صلى الله عليه وسلّم- يوماً فنصحه النبي الكريم قائلاً: (يا غُلامُ إنِّي أعلِّمُكَ كلِماتٍ، احفَظِ اللَّهَ يحفَظكَ، احفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تجاهَكَ، إذا سأَلتَ فاسألِ اللَّهَ، وإذا استعَنتَ فاستَعِن باللَّهِ، واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعت علَى أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ لَكَ، وإن اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ).[٤]


تكشف هذه الرّواية عن حرص النبي -صلى الله عليه وسلّم- على غرس أصول الإيمان في قلوب الشباب وتمكينها في نفوسهم؛ لأنّ صلاح الإيمان وثباته أساس متين للهمّة في الطاعات؛ كما هو أصلٌ في قبولها عند الله -سبحانه-.


وصية النبي الكريم لمعاذ -رضي الله عنه-

جاء في الحديث عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أنّه قال: أخَذَ رَسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بيَدي يومًا ثمَّ قالَ: (يا مُعاذُ، واللهِ إنِّي لأُحبُّكَ) فقلْتُ له: بأبي وأمِّي يا رَسولَ اللهِ، وأنا واللهِ أُحبُّكَ، فقالَ: (أُوصيكَ يا مُعاذُ، لا تَدعَنَّ في دُبرِ كلِّ صَلاةٍ أنْ تَقولَ: اللَّهمَّ أعِنِّي على ذِكرِكَ، وشُكرِكَ، وحُسنِ عِبادتِكَ).[٥]


وهذه الدّعوة المباركة للالتزام بهذا الدّعاء دبر كلّ صلاة فيه دعوة للشباب ولعموم المسلمين بتوثيق صلتهم بالله العظيم، والانتقال من طاعة إلى طاعة؛ فضلاً عمّا يتضمّنه الدّعاء من طلب العون على دوام الذّكر والشّكر وأداء العبادات والطاعات على الوجه الذي يرضي الله -سبحانه-.[٦]

المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:5066 ، صحيح.
  2. "شرح حديث يا معشر الشباب"، الدرر السنية شروح الأحاديث، اطّلع عليه بتاريخ 27/7/2023. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت رواه أحمد، في مسند أحمد، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم:22211، إسناده صحيح.
  4. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:2516 ، صحيح.
  5. رواه الحاكم، في المستدرك على الصحيحين، عن معاذ بن جبل، الصفحة أو الرقم:5282 ، صحيح الإسناد.
  6. إبراهيم دحيم، "اللهم أعني"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 27/7/2023. بتصرّف.