مما تم نقله في كتب السيرة والحديث؛ خطبه -صلى الله عليه وسلم-، فقد رُوي منها عدد كبير جداً، حتى أنّ كثيراً من العلماء والكُتَّاب ألفوا كتباً كثيرة اختصت بجمع خطب الرسول -صلى الله عليه وسلم-، سواءٌ خطب الجمعة أو خطب المناسبات،[١] وقد جمع أحد أولئك المؤلفين وحده -وهو محمد خليل الخطيب -رحمه الله- في كتابه إتحاف الأنام بخطب رسول الإسلام- 574 خطبة من خطب الرسول -صلى الله عليه وسلم-،[٢] حيث نقل الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- كل ما صدر عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- من أقوال وأفعال وتصرفات، كما نقلوا صفاته وشمائله، وأدق تفاصيل حياته، فلم يتركوا شيئاً يتعلق به إلا وتحدثوا عنه، فقد كانوا يراقبون أحواله بشغف، وينتظرون منه أي قول أو تصرف بفارغ الصبر، حتى يحفظوه ويقتدوا به، وذلك من شدة محبتهم له، وإيمانهم به.


الرد على شبهة إخفاء خطب الرسول -صلى الله عليه وسلم-

ادعى بعض المتربصين بالإسلام زوراً وبهتاناً أن الصحابة -رضي الله عنهم- لم ينقلوا خطب الجُمَع التي كان يخطبها النبي –صلى الله عليه وسلم- في حياته، وأن هذه الخطب ضاعت أو تم إخفاؤها عمداً، وأنها غير مروية في كتب الحديث والسيرة، والرد على هذه الشبهة بسيط جداً، فهي تدل على جهل صاحبها بالسنة النبوية وكتب الحديث والسيرة، كما تدل على أن من أثارها أراد من ورائها فتنة المسلمين وإدخال الشك في قلوبهم، والرد عليها يكون بما يلي:[٣][١]

  • من المستحيل أن يضيع شيء من الدين أو يندثر لأن الله -تعالى- قد تكفل بحفظ دينه حتى قيام الساعة، قال -تعالى-: {إنَّا نَحنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونْ}،[٤] وكلام الرسول -صلى الله عليه وسلم- وحيٌ مُنزل فهو من الذكر المحفوظ، قال -تعالى-: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوْحَى}.[٥]
  • لقد نقل الصحابة -رضي الله عنهم- كل ما يتعلق بصلاة الجمعة وخطبتها، بشكل دقيق جداً، حتى إنهم وصفوا حالة النبي صلى الله عليه وسلم- أثناء الخطبة، ووصفوا تعابير وجهه، ولون عينيه، وذكروا وقوفه أثناء الخطبة، ووقت جلوسه، وأسلوب حديثه، حتى إنهم انتبهوا إلى أصبعه، فوصفوا استخدامه لها أثناء الدعاء، كما ذكروا ما كان يقرأ من القرآن في الخطبة، وما كان أثناء الصلاة، ونقلوا أيضاً ما كان يحدث أثناء الخطبة، ومراقبته لما يحدث، وتدخله إذا لزم الأمر، وأنه في بعض الأحيان كان يقطع كلامه ويجيب سائلاً ما ثم يكمل، وكل ذلك مروي وثابت في السنة النبوية، أفلا ينقلون كلامه أثناء الخطبة بعد كل هذا؟.
  • إن غالب خطب النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت تشتمل على المواعظ والتذكير بالآخرة، والترغيب والترهيب، وهذا ما شملته الأحاديث التي نقلها الصحابة -رضي الله عنهم- والتي امتلأت بها كتب الحديث ومصنفاته الكبرى التي حوت آلاف الروايات.
  • لقد ألف علماء الإسلام عشرات الكتب التي تتحدث فقط عن خطب الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتجمعها، وإن كل كتاب من تلك الكتب يحتوي على مئات الخطب، فهي تشكل بمجموعها حجماً ضخماً من الروايات التي نُقلت عن الصحابة -رضي الله عنهم- والتي نقلوا من خلالها خطب الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهذا وحده كافٍ لدحض هذه الشبهة وتفنيدها وكشف حقيقة المغالطة الكبرى التي اشتملت عليها.


سمات خطبة الرسول -صلى الله عليه وسلم-

لقد أوتي الرسول -صلى الله عليه وسلم- جوامع الكلم، فكانت أحاديثه قليلة الكلمات، لكنها كثيرة المعاني وعظيمة الدلالات، وكان كلامه -صلى الله عليه وسلم- يمتاز بسهولة اللفظ، وجمال الأسلوب، والبعد عن التكلف والمبالغة، جاء في الحديث: (أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يُحَدِّثُ حَدِيثًا لو عَدَّهُ العَادُّ لَأَحْصَاهُ)،[٦] وأما عن خطبته -صلى الله عليه وسلم- فكانت لها سمات مميزة، يتمثل بعضها فيما يلي:[٧]

  • كانت خطبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- قصيرة في الغالب، ولم يكن يطيل في خطبه كثيراً إلا عند الحاجة، جاء في الحديث: (كانت صلاةُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قصْدًا وخطبتُه قصْدًا يقرأُ آياتٍ مِنَ القرآنِ ويذكِّرُ الناسَ)،[٨] بل إنه -صلى الله عليه وسلم- كان ينهى عن إطالة الخطبة، قال -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ طولَ صلاةِ الرَّجلِ وقِصَرَ خُطبتِه مَئِنَّةٌ مِن فقهِ الرَّجلِ فأطيلوا الصَّلاةَ واقصُروا الخُطبةَ وإنَّ مِن البيانِ سِحرًا).[٩]
  • كانت خطبته -صلى الله عليه وسلم- خطبةً حيةً تتسم بالحماس والقوة، جاء في الحديث: (أنَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ إذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلَا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حتَّى كَأنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ).[١٠]
  • كانت خطبته -صلى الله عليه وسلم- تتسم بالشمول والموضوعية، فكان يتكلم فيها بما هو أحوج للمسلمين وأنفع لهم، فتارة يعلمهم أحكام الدين وشرائعه، وتارة يعظهم ويذكرهم بالله واليوم الآخر، وكان ينتقي في كلامه من جوامع الكلم، ويبتعد عن التطويل والتشعّب في المواضيع.


المراجع

  1. ^ أ ب الإسلام سؤال وجواب (23/9/2016)، "هل نقلت لنا خطب النبي صلى الله عليه وسلم؟"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 8/12/2021. بتصرّف.
  2. محمد خليل الخطيب، خطب الرسول، صفحة 1. بتصرّف.
  3. ناصر عبدالغفور (8/11/2015)، "اللمعة في رد شبهة حول خطب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 8/12/2021. بتصرّف.
  4. سورة الحجر، آية:9
  5. سورة النجم، آية:3-4
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:3567، حديث صحيح.
  7. إسلام ويب (10/4/2008)، "هدي النبي صلى الله عليه وسلم في خُطبته"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 8/12/2021. بتصرّف.
  8. رواه ابن الملقن، في البدر المنير، عن جابر بن سمرة ، الصفحة أو الرقم:609، حديث إسناده صحيح.
  9. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عمار بن ياسر، الصفحة أو الرقم:2791، أخرجه في صحيحه.
  10. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم:867، حديث صحيح.