مساعدة النبي لزوجاته في عمل البيت

ثبت في السنة النبوية أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعين أهله في البيت، ويكون في خدمتهم حتى إذا حضرت الصلاة خرج إليها؛ ولم يكن ذلك منقصةً في حقّه، بل هو عين التواضع، ومظهرٌ تجلّتْ فيه حُسن العشرة والصّحبة؛ فعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها سُئلت: (ما كانَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يَصْنَعُ في بَيْتِهِ؟)، فأجابت: (كانَ يَكونُ في مِهْنَةِ أهْلِهِ -تَعْنِي خِدْمَةَ أهْلِهِ- فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ إلى الصَّلَاةِ).[١][٢]


كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعتمد على نفسه في قضاء حوائجه؛ تيسيراً على أهله، وعوناً لهم في ذلك؛ فكان يخيط ثوبه، ويصلح نعله، ويحلب شاته، ويخدم نفسه، ويعمل مثل ما يعمل الرجال في بيوتهم؛ مع أنّ الله -سبحانه- قد كرّمه بالنبوية والمعجزات؛ فلم يزده ذلك إلا رفقاً وترفّقاً، فعن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنّها قالت: (كان رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- يخصف نعلَه، ويخيطُ ثوبَه، ويعمل في بيته كما يعمل أحدُكم في بيته)،[٣] وفي رواية: (كان بَشَرًا مِن البَشَرِ؛ يَفْلي ثَوبَه، ويَحلُبُ شاتَه، ويَخدُمُ نَفْسَه).[٤][٥]


وينبغي التنبيه إلى أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قد جعل معيار خلق الرجل، ومعيار ما فيه من خير بدرجة حسن تعامله مع أهل بيته؛ فكلمّا كان معهم أحسن وأفضل، كان محققاً للخيّرية بالطريقة التي يرضاها ويحبّها -صلى الله عليه وسلم-، ففي الحديث: (أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلقًا، وخيارُكم خيارُكم لنسائهم).[٦][٧]


معاملة النبي لأزواجه

قدّم النبي -صلى الله عليه وسلم- أعظم الأمثلة -التي يمكن أن تكون في بشرٍ- وأحسنها، وأكملها، وأفضلها في تعامله مع زوجاته؛ فكان -صلى الله عليه وسلم- هيناً ليناً، عطوفاً محباً، سمحاً مبتسماً؛ زوجاً ونبياً؛ فكانت نساؤه أمهات المؤمنين -رضي الله عنهنّ- يشهدنَ له بذلك، والسيرة النبوية زاخرة بهذه الأمثلة، ويمكن أن نذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر ما يأتي:


تفهّم النبي الكريم لغيرة أزواجه

كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم جالساً عند أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-؛ فبعثت إحدى زوجات النبي -رضي الله عنهنّ- طعاماً إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكانت عائشة أم المؤمنين شديدة الغيرة على رسول الله، فلمّا رأت صفيحة الطعام ألقتها من يد الخادم فانكسرت؛ فلمّا رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ينهرها، ولم يُحقّر مشاعرها، أو يُسيء إليها؛ إنّما قال -صلى الله عليه وسلم-: (... غَارَتْ أُمُّكُمْ...).[٨][٩]


ثم أخذ -صلى الله عليه وسلم- يجمع الطعام الذي سقط، واستبدل الصحيفة المكسورة بصحيفة أخرى صحيحة، ثم أرسلها مع الخادم إلى زوجته التي أتته الطعام؛[٩] فكان في فعله هذا -صلى الله عليه وسلم- ما يُدّرس؛ فقد تفهّم النبي مشاعر الغيرة التي قد تكون عادةً بين الضرائر، وراعى الأحوال التي قد تنشأ بسببها.[٩]


كما اعتذر لمن كان في حضرته عن تصرّف أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، مبرراً له بالغيرة، بالإضافة إلى تعويضه الضرر الحاصر بكسر الإناء، وحفظ الطعام الذي هو نعمة من المولى، بجمعه وإعادته إلى الصحيفة.


تلّطف النبي الكريم بأزواجه

لطف النبي -صلى الله- عليه وسلم كان ظاهراً مع أعدائه المخالفين له، ومع المنافقين الكائدين له؛ فهذا حاله -صلى الله عليه وسلم- مع من يُبغضه، ويمكر له؛ فكيف حاله مع أهل بيته؟ لقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتودد إلى زوجاته ويتلّطف معهنّ، ويُمازحهنّ، ويتقرب إليهنّ ببعض الأفعال التي تُقدّرها المرأة من زوجها.


إذ كان -صلى الله عليه وسلم- يشرب من موضع شرب أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عندما تكون في فترة الحيض، ويأكل من الموضع التي تأكل منه؛ مبيّناً للأمة من بعده طهارة الحائض فيما سوى حيضتها؛ وأنّ مؤاكلتها فيه نوع من مراعاة أحوالها في هذه الفترة التي قد يُصاحبها بعض الألم، وتقلّبات الحال، كما أنّ اعتزال الحائض تكون بالمعاشرة الزوجيّة فقط، لا اعتزالاً تاماً لها، ولمؤانستها، ومجالستها، ومداعبتها.[١٠]

المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:676، صحيح.
  2. مازن الفريح، كيف تكسب الناس، صفحة 6. بتصرّف.
  3. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:5677، صححه الألباني.
  4. رواه الإمام أحمد، في المسند، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:26194، صحيح.
  5. ابن حجر الهيتمي، أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل، صفحة 494. بتصرّف.
  6. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1162، حسن صحيح.
  7. علي الطنطاوي، مقالات في كلمات، صفحة 46. بتصرّف.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:5225، صحيح.
  9. ^ أ ب ت سعيد حوى، الأساس في السنة وفقهها السيرة النبوية، صفحة 1284-1285، جزء 3. بتصرّف.
  10. حسين العوايشة، الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة، صفحة 296-298، جزء 1. بتصرّف.