نماذج من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم

امتدح الله -سبحانه وتعالى- أخلاق نبيّه ورسوله الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- حين قال: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)،[١] فإن كان ذلك قبل البعثة النبوية،[٢]فلا شك أنّه -صلى الله عليه وسلم- تمم مكارم الأخلاق بعد نبوته، كما أنّه تجلّى وتشرّف على الخلق أجمعين، بحسن خُلقه، وعطفه ولينه، وثباته وإقدامه، وشجاعته وصبره، وصدقه وقوة عزيمته، وإحسانه؛ فكان كل ذلك شاهداً وباعثاً على الاتباع وحسن الاقتداء به -صلى الله عليه وسلم-.


ونعرض فيما يأتي نماذج من أخلاق النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- على سبيل الذكر لا الحصر؛ فإنّ خصاله -صلى الله عليه وسلم- ومكارمه، وشيمه، وآدابه كثيرة، وجمعها -على امتدادها- قد يستعصي أن يكون في مقام واحد.


لين الجانب

كان النبي -صلى الله عليه وسلم- هيّناً ليناً؛ في تعامله وتوجيهه وتربيته، وفي أخلاقه؛ فكان سهلاً قريباً من الناس؛ ومعنى ذلك أنّه كان -صلى الله عليه وسلم- يتودد إليهم ولا يترفع عنهم، ولا يتجبر فيهم، ولا يشتكي من أخطائهم، أو يُقرّعهم عند حدوثها.[٣]


ومن المواقف التي تدل على لينه -صلى الله عليه وسلم- ما كان من تصرفه مع معاوية بن الحكم -رضي الله عنه-، الذي شمّت عاطساً في أثناء الصلاة، دون علمه المسبق لحكم ذلك؛ فلمّا أخذ الصحابة -رضوان الله عليهم- يضربون على أفخاذهم ليسكتوه علم أنّه قد أخطأ؛ حتى انتهت الصلاة، وتوجّه إليه النبي -صلى الله عليه وسلم-.[٤]


وقد وصف معاوية -رضي الله عنه- المشهد بدقة ورقة؛ فقال: (... فَلَمَّا صَلَّى رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-، فَبِأَبِي هو وأُمِّي، ما رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ ولَا بَعْدَهُ أحْسَنَ تَعْلِيمًا منه، فَوَاللَّهِ، ما كَهَرَنِي ولَا ضَرَبَنِي ولَا شَتَمَنِي، قالَ: إنَّ هذِه الصَّلَاةَ لا يَصْلُحُ فِيهَا شيءٌ مِن كَلَامِ النَّاسِ، إنَّما هو التَّسْبِيحُ والتَّكْبِيرُ وقِرَاءَةُ القُرْآنِ...)،[٥]فأيّ لين، وأيّ حسن في التوجيه هذا!.[٤]


المزاح

كان -صلى الله عليه وسلم- يمازح أصحابه، وأهل بيته، ويتودد إليهم، ويؤانسهم، ويشاركهم الضحك والسرور، دون أن يكون مزاحه كذباً -وحاشاه-، أو فيه استهزاء، أو تعرّض للآخرين؛ بل كان حتى في مزاحه يُركز على القيم السامية، واللطائف الجميلة؛ ونذكر من نماذج مزاحه -صلى الله عليه وسلم- ما كان من مداعبته لرجل جاء يطلب منه أن يعطيه ما يستطيع ركوبه.[٦]


إذ قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: (... يا رسولَ اللهِ، احمِلْني...)، فردّ عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- مداعباً: (... إنّا حاملوكَ على ولدِ ناقةٍ...)؛[٧]فظنّ هذا الرجل أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- سيعطيه ابن الناقة؛ أيّ صغيرها الذي لا يصلح للركوب؛ فقال: (... وما أصنع بولدِ الناقةِ؟...)، فردّ عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- مبيّناً لما قصده: (... وهل تلدُ الإبلُ إلا النوقَ؟)؛[٧] قاصداً أنّ الإبل كلها ما هي إلا مولودة من إناث هذا الحيوان، وهي النوق.[٦]


الثبات

قدّم النبي -صلى الله عليه وسلم- أعظم وأسمى النماذج بالثبات، والشجاعة والتصميم؛ فكان -صلى الله عليه وسلم- قائداً مقداماً، قوياً، مسؤولاً، لا يخشى في الله لومة لائم؛ وكفى بموقفه يوم غزوة حُنين شاهداً على ذلك.[٨]


حيث أقبل النبي -صلى الله عليه وسلم- على قتال المشركين بنفسه، فكان يركض بدابته نحوهم؛ حتى أنّ العباس -رضي الله عنه- وقد كان شاهداً على هذه المواقف؛ يُمسك لجام دابة النبي -صلى الله عليه وسلم- ليمنعها من التقدم؛ خوفاً عليه -صلى الله عليه وسلم-، ولكنّ النبي الكريم استمر في المواجهة والتقدم حتى اللحظات الأخيرة في هذه المعركة.[٨]


وقد كان بعض أفراد جيشه -صلى الله عليه وسلم- ينسحبون، ويمشون عكس اتجاهه تراجعاً من شدّة ما لقوا من القتال؛ فكان النبي الكريم يُحفزهم ويقوي عزيمتهم، وينادي عليهم للجهاد والقتال؛ فكان هذا من أعظم الدروس التربويّة والقتالية؛ إذ إنّ القائد الحقّ من ضحى بنفسه، وساهم مع جنود جيشه برفع الأذى، وصدّ الاعتداء، لا من فكر بالفرار والنجاة، والتراجع في موقف حاسم كهذا.[٨]


إنزال الناس منازلهم

راعى النبي -صلى الله عليه وسلم- في أثناء تعامله مع الناس ممن حوله بما يليق بهم؛ فكان -صلى الله عليه وسلم- يحترم الكبير، ويعطف على الصغير، ويقدّم الضعيف، ويُجلّ الشريف، ويحفظ مكانة الزعماء والرؤساء في قبائلهم وأقوامهم، ومن ذلك ما كان في خطابه -صلى الله عليه وسلم- إلى هرقل ملك الروم.


حين وجّه إليه كتاباً يدعوه فيه إلى الإسلام؛ فراعى مكانته ومنزلته في قومه؛ فقال -صلى الله عليه وسلم-: (... بسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِن مُحَمَّدٍ عبدِ اللَّهِ ورَسولِهِ، إلى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، السَّلَامُ علَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى...).[٩][١٠]


ووصف النبي -صلى الله عليه وسلم- هرقل بالعظيم وهو مشرك؛ انطلاقاً من الحكمة والموعظة الحسنة التي أمر بها الله -سبحانه-، إضافةً إلى حسن الخطاب وتقدير منازل الناس، دون إهمال الهدف الأساسي من ذلك كلّه، في الدعوة، وإنكار المنكر.[١١]

المراجع

  1. سورة القلم، آية:4
  2. محمود محمد غريب، سورة الواقعة ومنهجها فى العقائد، صفحة 170. بتصرّف.
  3. ابن باديس، عبد الحميد، آثار ابن باديس، صفحة 436، جزء 1. بتصرّف.
  4. ^ أ ب عائض القرني، دروس الشيخ عائض القرني، صفحة 20، جزء 143. بتصرّف.
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن معاوية بن الحكم السلمي ، الصفحة أو الرقم:537، صحيح.
  6. ^ أ ب منقذ السقار، الدين المعاملة، صفحة 116-117. بتصرّف.
  7. ^ أ ب رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:4998، صححه الألباني.
  8. ^ أ ب ت راغب السرجاني، السيرة النبوية، صفحة 11، جزء 40. بتصرّف.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سفيان بن حرب، الصفحة أو الرقم:6260، صحيح.
  10. مجموعة من المؤلفين، نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم، صفحة 344، جزء 1. بتصرّف.
  11. عبد الله بن محمد آل حميد، منبر الجمعة أمانة ومسؤولية، صفحة 30-31. بتصرّف.