هاجر المُستَضعفون من الصحابة من مكة إلى الحبشة مرتين، وذلك بسبب اشتداد التعذيب والأذى الذي أصابهم من قريش، وقد عزَّ على النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرى أصحابه يُعذَّبون وهو لا يقدر على حمايتهم، فأشار عليهم بالهجرة إلى الحبشة، بسبب عدل ملكها النجاشي وسماحته، وكانت الهجرة الأولى في السنة الخامسة من البعثة النبوية، وهاجر فيها أحد عشر رجلاً وأربع نسوة، ولم يمكثوا طويلاً في الحبشة، فعادوا بعد ثلاثة أشهر فقط، وذلك لسماعهم بخبر إسلام حمزة بن عبد المطلب، وعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما، وظنهم بأن المسلمين قد أصبحوا في أمان من أذى قريش،[١] فلما عاد المهاجرون إلى مكة وجدوا بأن أذى قريش وتنكيلها بالمسلمين لم يتوقف، بل ازداد واشتد، وأصبح أمر بقائهم في مكة صعباً للغاية، خصوصاً بعد أن استعانت قريش بالقبائل الأخرى، لملاحقة المسلمين وإيذائهم، فأذِن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة مرة ثانية.[٢]


الهجرة الثانية إلى الحبشة

حدثت الهجرة الثانية إلى الحبشة بعد عام واحد من الهجرة الأولى، أي في السنة السادسة للبعثة النبوية،[٣] وكانت هذه الهجرة أصعب من سابقتها، وأكثر خطورة، لأن قريش تيقظت لها، وكانت تحاول إحباطها، لولا أن الله -تعالى- يسرها للمسلمين، وكانوا أسرع من المشركين،[٤] وكان عدد المهاجرين في هذه المرة اثنين وثمانين وقيل ثلاثة وثمانين رجلاً، وثماني عشرة امرأة، منهن إحدى عشرة امرأة قرشية، وسبعٌ غير قرشيات، وكان أمير هذه الهجرة هو جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه-،[٢] وبقي جعفر ومعه جزء من المهاجرين في الحبشة حتى السنة السابعة للهجرة، ثم رجع إلى المدينة في غزوة خيبر، فكانت مدة إقامة المسلمين في الحبشة في الهجرة الثانية حوالي عشر سنوات أو أكثر.[٥]


مكيدة قريش بمهاجري الحبشة

  • غاظ المشركين أن يجد المسلمون ملاذاً آمناً في الحبشة، فقرروا أن يلاحقوهم ويقوموا بإفشال هجرتهم، فأرسلوا رجلين من أدهى رجالهم إلى الحبشة، هما: عمرو بن العاص، وعبد الله بن أبي ربيعة -قبل أن يدخلا في الإسلام-، كي يقنعا النجاشي بطرد المسلمين وتسليمهم إلى قريش، فأخذا معهما الهدايا الثمينة للنجاشي وبطارقته، وأقنعا البطارقة بما يريدا، لكن النجاشي لم يقتنع، وطلب حضور المسلمين والسماع منهم، فحضروا وتكلم جعفر باسمهم.[٦]
  • وأجاب جعفر النجاشي على سؤاله عن دينهم، وبين له حقيقة الإسلام وما جاء به من خير وحق، فطلب النجاشي منه أن يُسمعه شيئاً من القرآن، فقرأ عليه آيات من سورة مريم، فبكى النجاشي وقال: "إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة"، ثم قال لعمرو وعبد الله: "انطلقا، فلا والله لا أسلمهم إليكما"، وحاول عمرو في اليوم التالي أن يوغل صدر النجاشي على المسلمين، حيث قال له بأنهم يقولون في عيسى قولاً عظيماً، فاستدعاهم مرة أخرى وسألهم عن ذلك، فأجابوه بما جاء في القرآن، فسُرَّ بما سمع، وقال لهم اذهبوا فأنتم آمنون بأرضي، وفشلت مكيدة المشركين، ورجعوا خائبين، وأقام المسلمون في خير دار وخير جوار.[٦]


المراجع

  1. محمد الطيب النجار، القول المبين في سيرة سيد المرسلين، صفحة 129-130. بتصرّف.
  2. ^ أ ب العازمي، اللؤلؤ المكنون، صفحة 372. بتصرّف.
  3. محمد الطيب النجار، القول المبين في سيرة سيد المرسلين، صفحة 143. بتصرّف.
  4. المباركفوري، الرحيق المختوم، صفحة 83. بتصرّف.
  5. العازمي، اللؤلؤ المكنون، صفحة 386. بتصرّف.
  6. ^ أ ب المباركفوري، الرحيق المختوم، صفحة 83-85. بتصرّف.